ولكن ماذا حصل ، لماذا اغتصب الرجل عرش الأنثى بعد أن طبعت العالم بطابعها الخاص وسمت الأشياء بأسمائها؟
بل لماذا بدأت أصوات الاستنكار تعلو مطالبة برجمها معتبرة إياها شيطانة الإثم والغواية والشر؟
للأسف لعبت القوانين الدينية دورها في نقل الأفكار الخاطئة إلى الفلاسفة والمفكرين الذين صبّوا جام شرورهم على الأنثى، متنكرين لدورها الأساسي في إيجاد لغة تواصل وتفاعل مع المجتمع والبشرية مثلما في حفاظها على أرضها وأطفالها
أما هي ، فلم تستسلم رغم انتزاع كل حقوقها ورغم تحويلها إلى كائن مُستلب ومملوك ، ففي أعماقها إرادة قوية جعلتها تكبح أحاسيسها ورغبتها بالانتقام من الرجل الذي ربما أضمرت الثأر له لترد مكانتها....
إنها الثورة الكامنة التي خلقت صراعاً بينها وبين الرجل على جميع المستويات ما أدى إلى تاريخ معقد من الفعل ورد الفعل الذي جعل فترات حكم عدة ملكات في التاريخ، تعاني من الاضطراب وإشارات السخرية والتهكم بدعوى أن المرأة لا تصلح للقيادة لأنها ناقصة عقل ،محدودة التفكير.
وسط هذه الهراءات غير العلمية اعتبرت أبحاث القرن التاسع عشر المتحيزة للرجل ، أن مخ المرأة أقل حجماً من مخ الرجل ما يجعله أقدر على تسيير أمور الفكر والدولة والسياسة ، بينما لا يتيح مخ المرأة لها سوى فرصة الاهتمام بشؤون المنزل وتربية الأطفال.
إن هذه النظريات سرعان ما تهاوت مع تقدم البحوث الاجتماعية التي أثبتت أنه لايوجد فارق حقيقي بين عقل الرجل والمرأة ، وأن الأمر هو نوع من الآراء الاجتماعية التي تراكمت عبر السنين لتلغي أخيراً ما اعتبر أن دور المرأة ينحصر في تربية الأولاد وإشعال النار مثلما ألغت الدور الذي جعل مهمة الرجل حمل رمحه والتوغل في الغابات للصيد، إنه إلغاء لقانون أزلي أراد أن ينتصر على عوامل البيولوجيا والعلم..من هنا، وبغض النظر عن القوانين العلمية ، فإن علاقة النزاع السلطوي بين الرجل والمرأة هي ميراث ثقافي واجتماعي مثقل بالاحباط والكبت والحصار والرغبة بالتفوق والسيطرة.
الآن وبعد التطور في كل نواحي الحياة التي باتت تتطلب مشاركة جماعية يتضامن فيها الرجل والمرأة بأكبر قدرة ممكنة للاستمرار، بدأنا نشعر بأن أنماط التفكيرالقديمة باتت على وشك الاختفاء.
فالمرأة عادت إلى السلطة تحكم وتأمر وتخطط في بلادٍ تحتوي أعداداً هائلة من البشر، ووسط العديد من المنغصات والمحاولات التي تتعرض لها من الداخل أو الخارج ...
أهي رغبة المرأة بالانتقام ممن سلبها مكانتها لترد له الصاع صاعين ..أم أنها نتائج الثورة الكامنة منذ عصور من الاستلاب والتسلط والمفاهيم الخانقة؟ ..
ربما هي كذلك وربما هي رغبة المرأة بأن تثبت تفوقها وكم من الظلم وقع عليها دون أدنى حق أو رأفة واحترام .
يستدعي هذا أن نذكر بعض الأمثلة لنساء استطعن القيادة وسط الكثير من الصراعات والمشكلات والمعارضات ومنهن /بنازير بوتو / التي صعدت إلى الحكم رغبة في الانتقام لوالدها فشاركت في مظاهرات سياسية وبإرادة حديدية معتبرة أن أنديرا غاندي الهند هي قدوتها وسر قوتها.
أيضاً قامت /هيما/أرملة الرئيس السير لانكي بمحاولة الانتقام من الذين فجروا موكبه ، أما المرأة التي أثارت جدلاً شديداً على المستوى الأنثوي والسياسي ، فهي (تانسو تشيلر) رئيسة الوزراء التركية ، نذكّر بهذه الأسماء ، ولا ننسى جداتهن اللواتي خُلدن في التاريخ ، كبلقيس وزنوبيا وشجرة الدر وجوليادومنا وغيرهن ممن رسمن طريق الأمل بأن المرأة لابد أن تستعيد مكانتها التي سُلبت منها عبر أجيال من التوارث للنزاع الذي كانت ضحيته الأكثر شقاءً واستعباداً وظلماً وحرماناً.....