لهذه المحكمة المدعو لويس مورينو أوكامبو، سوى حلقة جديدة متقدمة، من التآمر على وحدة السودان ومكانته ودوره، في مقاومة سياسة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية التي تمارسها القوى الغربية الكبرى على القارة الافريقية عموما وما كان لهذه المذكرة أن تصدر لولا تخوف هذه القوى الاستعمارية من أن يحقق السودان بقيادة رئيسه عمر حسن البشير، السلام بين مختلف القوى المتصارعة في إقليم دارفور السوداني، بعد اتفاق «حسن النوايا» الذي توصل إليه الفرقاء في لقاءات الدوحة قبل أسابيع قليلة ماضية، هذا الاتفاق الذي وضع أساساً جيداً لإعادة الاستقرار والسلام ووقف النزاعات المسلحة في إقليم دارفور، والذي لا يناسب طموحات المتربصين والطامعين بوضع اليد على خيرات السودان، التي وقف الرئيس السوداني عمر حسن البشير بصلابة وقوة في وجهها.
ولهذا، كان من الواضح، منذ بداية العمل لإصدار مذكرة اعتقال الرئيس السوداني من قبل هذه المحكمة الجنائية الدولية، إنه سلوك سياسي لا يمت بصلة إلى القانون الدولي ولا إلى ميثاق اتفاق روما الخاص بهذه المحكمة, فالمدعي العام للمحكمة لويس أوكامبو اعتمد في أدلته، التي يتبجح بأنها «دامغة» على تقارير منشورة عبر الانترنيت وشهادات عدد من المتمردين في إقليم دارفور، الذين يعيش معظمهم في الفنادق الفاخرة في العواصم الغربية وعلى حساب هذه العواصم، في الوقت الذي لم يكلف السيد اوكامبو نفسه زيارة السودان ولا إقليم دارفور وهو مسرح القضية المزعومة ليؤكد أن قرار محكمته لا يستند إلى تحقيق معمق ومؤكد حول حقيقة ما يجري في إقليم دارفور، ومن المسؤول الفعلي والحقيقي عن المآسي التي عانى منها هذا الاقليم السوداني منذ عشرات السنين؟!
وقبل الحديث عن ازدواجية المعايير في قضية دارفور ومذكرة اعتقال البشير لابد من توضيح ما هو واضح، بأن السيد اوكامبو يطالب في مذكرته اعتقال رئيس دولة عربية ذات سيادة، وهذه سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، حسب قول الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ولو كان السيد اوكامبو يتمتع بشيء من الموضوعية والمصداقية، كان عليه أن يطالب ويواجه مجرمي الحرب في العراق وأفغانستان بدءاً من مجرم العصر جورج بوش ونائبه ديك تشيني وطاقمهما من المحافظين الجدد، الذين بسبب سياسة ادارتهم في البيت الأبيض قتل نحو مليون عراقي معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، إلى جانب تشريد حوالي خمسة ملايين عراقي داخل وطنهم وخارج حدوده وكان على اوكامبو أن يحاسب ويقاضي من ارتكب الجرائم والتعذيب والاغتصاب في سجون الاحتلال الأمريكي في «أبو غريب» ،«وغوانتانامو» وكان على السيد اوكامبو أن يستجيب لنداءات ضحايا العدوان الفاشي المتوحش لآلة القتل الصهيوني في غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولو كان محايداً وصادقاً لأصدر مذكرات اعتقال للسفاحين الصهاينة، تسيبي ليفني وباراك وأولمرت ونتنياهو وضباط وجنود العدوان الصهيوني الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق الإنسانية وإبادة جماعية بحق شعب فلسطين في غزة.
إن تجاهل السيد اوكامبو ومحكمته الجنائية الدولية هذه الحقائق الدامغة والمؤكدة بالوثائق والصور وشهود العيان وشهادات ذوي الضحايا والضحايا أنفسهم، يؤكد ما لا يرقى إليه الشك بأن هذه المحكمة السياسية بامتياز ترفض ملاحقة المجرمين الحقيقيين والذين قاموا بعمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، أو ملاحقة مجرم الحرب بوش وما ارتكبت يداه الآثمتان في العراق وأفغانستان ومساندته اللا محدودة لمجرمي الحرب الصهاينة في وقت تطارد فيه هذه المحكمة الرؤساء العرب الشرعيين وغيرهم من الأبرياء ، ما يؤكد بكل وضوح أن قرار المحكمة بحق الرئيس البشير هدفه الرئيسي ازاحة رئيس وطني يدافع عن بلاده ويعمل من أجل المحافظة على خيراته وموارده من أجل تنميته واحلال السلام فيه لمصلحة شعبه المناقضة لمصالح القوى الاستعمارية الكبرى ودورها الخبيث في دارفور خاصة والسودان عامة من أجل نهب ثرواته وخيراته مستغلة المنظمات الدولية المختلفة التي تهيمن عليها لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية في المنطقة من خلال تلفيق أدلة الاتهام الجاهزة دائما ضد كل ما يعارض هذه السياسة الاستعمارية، إن كان في السودان أو غير السودان وعلى المستوى الدولي.
ولا نعتقد أن السيد اوكامبو ومحكمته لا يعرفون سر الاهتمام الغربي والصهيوني في السودان فأقليم دارفور يسبح فوق بحيرة من أجود أنواع النفط العالمي ولا يقل عن احتياطي نفط العراق ، ويملك هذا الاقليم كميات كبيرة من اليورانيوم بالاضافة إلى المساحات الواسعة من أجود الأراضي الزراعية في العالم، والتي لو اتيح لها الدعم الكافي والاهتمام الدولي الموضوعي والنزيه لساهمت في علاج أزمة الغذاء العالمية.
إن سيناريو ومسرحية اعتقال الرئيس السوداني البشير، بدأت منذ عدة سنوات، باستغلال النزاعات المسلحة بين مختلف قبائل اقليم دارفو بعد موجة الجفاف القاسية والتي أججت بشكل مفتعل واتهمت الحكومة السودانية بأنها وراء تلك النزاعات ،بينما في واقع الأمر إن اسرائيل وتلبية لمطالب ولي نعمتها الأمريكي بدأت بتزويد العديد من الحركات المتمردة في دارفور بالأسلحة وتدريب الكثير من عناصر تلك الحركات ودعمهم بالأموال اللازمة لينفذوا الرغبات الأمريكية الصهيونية بإسقاط حكومة البشير التي حالت دون نجاح هذه المؤامرة الكبرى على السودان وعلى القارة الأفريقية، فقيام متمردي دارفور بتوسيع هجماتهم المسلحة قبل عدة سنوات كان هدفه جر الجيش السوداني إلى مواجهات عسكرية لتستعمل كذريعة لاجتياح السودان وتقسيمه، وإقامة كيانات عرقية قبلية في منطقة دارفور ينصب فيها زعماء الحرب المطواعين بيد أمريكا واسرائيل على رأس هذه الكيانات.