لم يكن أحد يملك الشجاعة والإرادة , باستثناء القليل من المنظمات غير الحكومية الأجنبية لاستنكار ما كانت تشهده وتشهده حالياً البحرين , العالم الغربي ومعه العالم العربي تجاهل وتناسى ثورة البحرين . وصارت هذه المملكة المتناهية الصغر في ظل حكم المشيخات والأمر الواقع شبه مستعمرة لجارتها الأقوى السعودية دليلاً واضحاً لسياسة ازدواج المعايير على صعيد التأثير الإعلامي في الثورات الشعبية عبر العالم .
من المعروف أن آل خليفة الحاكمين في البحرين منذ عام 1783 يقودون البلاد منذ حصول البحرين على استقلالها عام 1971 . هذا يمكن أن يكفي لتفسير صمت الملك لغاية الآن عن الاستجابة للمطالب الجماهيرية التي خرج شعبه إلى الشوارع بأعداد ضخمة للمطالبة فيها . إلا أن الأسباب التي أدت إلى تجاهل وعدم اهتمام العالم الحر بقضية الشعب البحريني تعتبر أكثر تعقيداً . تذرعوا بالعوامل الدينية لشعب مجمل مطالبه هي الحصول من قبل الحكومة والبيروقراطية القائمة على المساواة , هذا من جانب , ومن جانب آخر طلبت الأسرة الحاكمة في البحرين واستجيب إلى طلبها على الفور , مساعدة من حلفائها العسكريين في الخليج . ولكن هذا التدخل العسكري لم يثن الشعب . حيث شهدت البلاد تصاعداً في حدة المظاهرات , على الرغم من إجراء انتخابات في الثاني والعشرين من الشهر الفائت , التي أبرزت الهوة العميقة بين مكونات شعب البحرين . ووفق ما يؤكده نبيل رجب , أحد أبرز الشخصيات المعارضة والذي تم اعتقاله مرات عديدة فإن نضال الشعب البحريني لن يتوقف إلا عندما يبلغ أهدافه « في الرابع عشر من شهر شباط لعام 2011 ( بداية المظاهرات ) انطلقنا في مسير واضح نحو الديمقراطية « مضيفاً أنه في كل أسبوع لا زال يتجمع ما لا يقل عن 300,000 متظاهر . وهذا يدل على أن الثورة لم تمت كما كانوا يحاولون الإيحاء به .
في الحقيقة , في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي ينظر بعين الرضا على الحراك السلفي في بلاد المغرب وفي سورية , قابل الحراك الشعبي في البحرين وقمع السلطات البحرينية الوحشي لهذا الحراك بصمت القبور . والآن وبعد مرور ثلاثة أعوام على انتفاضة أهل البحرين , وبدلاً من إعلان السلطات هناك عن وضع حد لها عبر تبني جملة إصلاحات تواصل السلطات البحرينية قمع كل أشكال المعارضة أو الرأي المغاير . ويقدر عدد ضحايا هذا القمع حوالي 80 متظاهراً حتى الآن , بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 3000 شخص , وهذا الرقم يعتبر مرتفعاً مقارنة بعدد سكان البحرين البالغ 1,24 مليون نسمة.
وتم مؤخراً استدعاء نبيل رجب واعتقاله . وقد أكد في آخر اعتقال له أن أعضاء سابقين في جهاز المخابرات البحرينية ذهبوا للقتال في سورية ضمن صفوف داعش . والأكثر إثارة للدهشة أن توقيف أحد المعارضين في البحرين لم تكن تشير إليه وسائل الإعلام الغربية , بما فيها المحطات التلفزيونية , كبرهان منهم على دعم حرية التعبير وأن اهتمام الصحفيين كان يركز على الضربات الجوية والمقاتلين المتدربين المتوجهين إلى سورية والعراق . أما من جانب الحكومات والمؤسسات الدولية فالصمت كان السمة الأكبر , حتى ولم يتم نشر أي بيان في الحدود الدنيا . ونتساءل : لماذا لم تقدم الحكومات الأوروبية أي دعم سياسي لنبيل رجب , الناشط الذي أثار مسألة مهمة حول أصل وتصاعد قوة داعش ؟ لماذا لا يوجد أي دعم مباشر لدعم هؤلاء الناشطين الذين يواجهون الاعتقال في دول تدعي أنها تقاتل ضد داعش ؟
على تلك الأسئلة يجيب الناشط نبيل رجب دون مواربة :» سبب تجاهلنا من قبل وسائل الإعلام هو أن تلك الوسائل تنتمي إلى الأسر الحاكمة في منطقتنا أو إلى القادة الغربيين الذين يريدون الحفاظ على علاقات حسنة مع الأنظمة الديكتاتورية والذين تربطهم مصالح وأعمال في البترول والسلاح « ويضيف :» لقد أصابت الطعنة الشعب البحريني من الطريقة التي تجاهلتهم فيها الحكومات وتجاهلت كفاحهم من أجل الديمقراطية في الوقت الذي يذرفون فيه الدموع على أوكرانيا وإيران وسورية « ويتساءل رجب « لماذا هم وليس نحن ولدينا نفس المطالب والقيم المشتركة مع أوروبا , وعلى وجه الخصوص مع إنسانية فرنسا ؟» والمثير أكثر لاستياء الناشط البحريني أن التاريخ الرسمي لبلاده جرى , بلا ريب تزويره .