والمنعطفات السلبية التي تمرّ بها الشعوب والحضارات والأمم، ولعل ذلك هو الذي يفسر لنا هذا الهيجان الهمجي الإرهابي الذي صمم في كل أرجاء الدنيا ومن كل أنفاق العالم المظلمة، ليأتي العدوان على الوطن السوري في خارجه وفي داخله على هذا النحو الشامل وعلى هذا المستوى العميق في كل مقوماته من الأعداد الإرهابية إلى الأسلحة على الأحوال إلى دور الدول الكبرى مثل أميركا إلى استنفار كل هذه الخبرة التي عُرف بإنتاجها الغرب والصهيونية والتنظيمات الإرهابية، والمسألة في أساسها حرب وعدوان موصوف، مكشوف.
وقد اجتمعت فيه وله إرادات الشر من كل مفازات العالم المعاصر وبكل أسلحة العصر التكنولوجية والنفسية والإعلامية، إنما أردت من هذه المقدمة أن أذهب نحو ما جرى في جنيف وهو في العمق لا يتناقض مع حقيقة ما طرحناه وقد جاءت الوقائع والنتائج بعد انتهاء اجتماعات اللجنة الصغرى لتؤكد هذا المعنى فلم تقدم الأطراف الأخرى ولاسيما المعارضة القادمة من منصاتها ومخابرها خارج حدود الوطن بالجسد والانتماء والفكر والتطلع المزعوم، كان هذا العداء ثابتاً وواضحاً أنه سوف يتسلل إلى اجتماعات جنيف العامة والصغرى ولم يتبدل أي منسوب في إطلاق الإرهاب بالحوار تيمناً بإطلاق الإرهاب في الداخل السوري وفي كل ساحات المعارك المحتدمة.
ولعل ذلك كان هو الذي يشكل الإشكالية الكبرى في وعي المواطن السوري بل في وعي كل شرفاء العالم، إذ كيف يمكن أن يجتمع الصيف والشتاء على سطح واحد، وكيف يمكن أن تكون المقدمات مكشوفة ومسمومة إلى هذه الدرجة التي عبروا عنها بتصريحاتهم وتهديداتهم المزعومة وهم يدّعون أنهم ذاهبون للحوار مع من يمثل الوطن السوري.
هل يمكن أن تحدث معجزات على الطريق القصيرة تدل على أن الراقدين وراء الحدود واللاهثين خلف التدمير والقيود قد جاؤوا إلى كلمة سواء وانتابهم هذا الشعور الوطني فإذا هم يحاورون وفي الحوار كما تدل التجربة البشرية الحلول والتقاء البنى الموحدة حتى لو ظهرت على أنها صغيرة الحكم وبطيئة الحركة، لم يكن ذلك إلا وهناً، وكم نتمنى نحن السوريين أن تكون الحقيقة غير ذلك إذ ما زال منهجنا يقوم على ثلاثية معروفة ومكرسة في كل أخلاقيات العالم:
1-أولها أن هذا الوطن السوري في كل لحظات وتحت أي اعتبار هو وطن للسلام يعشق التنوع والحوار ويتلمس أي مدد يوصل إلى السلام ويرتقي بالإنسان إلى مرحلة السمو في طرح الأفكار وتبادل وعي القضايا المشتركة والسلام بالنسبة لسورية خيار استراتيجي والحرب وسفك الدم وتدمير المنشآت عمل عدو ومعاد لطبيعة هذا الوطن ولمناقبه وخصائصه المعروفة منذ أعماق التاريخ، من هنا كان هذا التقنين عبر زمن الإرهاب في توصيف السلوك السوري، حيث إن هذا البلد يقاتل بشرف ويفاوض بشرف ولا يصدم ولا يسد الطريق على أي بادرة أو مبادرة مادام القصد نبيلاً وما دام احتمال الحركة ولو خطوات قائماً في هذه المبادرة أو تلك.
2-هو منطق الأمان والمشروعية والقوة في الأداء الوطني السوري وهذا ما جعل من الاستجابة لكل ما تأتي به الأبعاد والنوايا الدولية أمراً طبيعياً، إذ ليس لدى الوطن السوري ما يخشى منه ونحن في سورية لا نخشى من النقاش والحوار والمصارحة وجهاً لوجه، وإنما نخشى من غياب هذه المسائل، فذلك ما يقلقنا وذلك ما يدفعنا إلى أن نعزل الطريق من العقبات والعوارض والنوايا السيئة في سبيل إنشاء حوار حقيقي لطرح جدول أعمال ومفردات حقيقية تنتمي جميعها إلى الوطنية من جهة والسلام الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.
3-وهناك فقرة مهمة تنشأ عن هذا المنطق الوطني وتغنيه وتحميه في ذات السياق وهذه الفقرة المؤسسة لم تأت من فراغ وإنما أطلقها إلى أبعادها الراهنة وحيثياتها القائمة صمود أسطوري وتضحيات وشهادة وشهداء وصبر على الحصار واجتراح المستوى الأسطورة في تيار الإنجاز والإعجاز، وكان لا بدّ في صلب ذلك من أن يتعمق إيماننا بالحوار.
فنحن نعبر عن ذاتنا المثخنة بالجراح والمفعمة بآيات الإيمان والصمود والصبر على المكاره والقادرة على اكتساب الخبرة حيث تبقى عيننا على الواقع فرصده في كل حركاته ويدنا على الزناد، ولهذه المعاني كانت استجابة الوطن السوري بسماحة وتسهيل لهذه المبادرة عبر الحوار من أجل صياغة دستور حضاري للوطن السوري وكنا وكان العالم كله يعلم بأن الطريق إلى ذلك ملغومة وقائمة على الحفر ومصادر الأذى لاسيما أن الشرائح التي نحاورها قد عادت الوطن منذ زمن بعيد وارتبطت بالأجنبي واكتسبت صفات نهائية تؤهلها لممارسة الخداع والاعتداء بسهولة واستمرار.