وعلى خلفية الفشل الذي يلاحق مبعوثه جورج ميتشيل في جولاته المتعثرة مع «إسرائيل» نتيجة عدم امتلاكه القدرة على مواجهة الرفض الإسرائيلي والتحدي الإسرائيلي لعموم إدارة الرئيس أوباما.
وما الجديد الذي ننتظره بعدما أقنعنا أنفسنا أن القادم أوباما إلى البيت الأبيض يحمل في رأسه مشروع أحلام عريض لتغيير أميركا والعالم ولاسيما القضية الفلسطينية ولو بحدودها الدنيا في وقت تلاشت فيه تلك الآمال وكأنها سراب في صحراء التيه الإسرائيلية التي أدخلت الصراع العربي الصهيوني إلى نفق مسدود بسبب معارضة الثنائي الأخطر والمتمثل في فريق الصقور داخل إدارة الرئيس أوباما وتمثله الوزيرة هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جون بايدن وهو الفريق المعارض لاندفاعات الرئيس أوباما نحو تحقيق التغيير المأمول الذي يريده وأمل العالم معه بشأنه.
في حدود علم الجميع لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة أن بدأ رئيس أميركي ولايته الأولى بالتعبير وبوضوح عن اهتمامه بالصراع العربي الصهيوني ناهيك عن إقدامه باتخاذه خطوات إجرائية وضعته في ما يشبه بمواجهة حقيقية مع الحكومة الإسرائيلية، وهو بالطبع مالفت أنظار الجميع إذ وفور دخول أوباما البيت الأبيض عين مبعوثه الشخصي لذاك الصراع جورج ميتشل على أمل أن يكون هناك سقف زمني قريب لحل هذا الصراع، ثم إقدام أوباما على انتقاده السياسة الإسرائيلية بشأن الاستيطان تحديداً ومطالبة «إسرائيل» بوقفها كل الأنشطة الاستيطانية كخطوة أولية لحل القضية، ورأى الجميع في هذه الخطوات دليلاً قاطعاً على التغيير الحاصل في نهج الإدارة الأميركية الجديدة بتعاملها مع قضايا المنطقة بشكل عام، وهذا ما أدخل بعض الأمل للعرب عن جدية الرئيس أوباما في تحقيق أحلامه العريضة، لكن بطبيعة الحال التعبير عن حسن النوايا شيء والقدرة على ترجمة النوايا شيء آخر، وهذا الذي وقع فيه الرئيس أوباما دون تردد كما تفيد معطيات اليوم على أرض الواقع إذ تشير هذه المعطيات على أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لم ينجح فقط في وقف اندفاعة الرئيس أوباما في اتجاه البحث عن تسوية نهائية وشاملة وعرقلة الجهود الرامية إلى تهيئة الأوضاع لبدء عملية تفاوضية أكثر جدية وإنما أيضاً في تشتيت هذه الجهود وتوجيهها نحو دروب وعرة المسالك ونحو مسارات خاطئة ومضللة وهذا هو حال الجانب الإسرائيلي في كل مرة والأدلة هنا متعددة كرفض نتنياهو لطلب أوباما وقف أنشطة الاستيطان ونجاح نتنياهو في استنفار القوى الموالية لإسرائيل داخل الوسط الأميركي وفي وسائل الإعلام ومراكز البحوث الأميركية الموالية «لإسرائيل» وفي تحريضها على استخدام كل ما في حوزتها من وسائل الابتزاز لثني الرئيس أوباما عن ممارسة أي نوع من الضغوط على «إسرائيل» مع الحرص في الوقت نفسه على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة معه وتأجيل القيام بذلك لوقت آخر، كذلك سعي نتنياهو والقوى المتحالفة أميركياً معه لفرملة اندفاعة الرئيس أوباما وتفريغ مبادرته والعمل على إقناعه أن الاستيطان ليس المشكلة أو العقبة الأساسية في التسوية السلمية وأن طموحات إيران النووية والخلافات الفلسطينية الفلسطينية هي العقبة الحقيقية وهي الأكثر خطورة والأكثر مدعاة للقلق.
كذلك نجح نتنياهو إلى حد كبير في إقناع الإدارة الأميركية وغيرها من أنه مهتم بإتخاذ موقف مرن من قضية الاستيطان مع السعي وبقوة من جانبه للحصول على الثمن الباهظ المطلوب من الآخرين أي من الطرف العربي والأميركي وأيضاً ولا سيما بشأن التطبيع المجاني العربي وخاصة للدول العربية التي لم تبرم بعد اتفاقات سلام مع «إسرائيل».
في الطرق المقابل نرى الرئيس أوباما أدرك وبسرعة أنه لا يغفل الدخول في مواجهة مع اللوبي اليهودي في الوسط الأميركي على الأقل في هذه الفترة المبكرة من ولايته ومن الواضح جداً أن الرئيس أوباما فضل الانحناء أمام العاصفة اليهودية المعارضة له وهذا ما يشير أيضاً إلى أنه أدرك أن الوقت لم يعد لمصلحته وبالتالي لن يتمكن من تحقيق النتائج المرجوة حتى نهاية العام الحالي في اتجاه البحث عن تسوية شاملة ونهائية وهو يشعر كأنه يعيش نفس التجربة التي خاضها الرئيس كلينتون والرئيس كارتر وهو ما قد يعرض مستقبله السياسي للخطر ولاسيما في انتخابات الرئاسة المقبلة التي تجعل خسارته فيها أمراً شبه مؤكد هذه الحقيقة تحدثت عنها تقارير وتحاليل أميركية وأوروبية ووسائل إعلام أميركية مؤكدة أن مصير الرئيس أوباما لن يكون بأحسن حال من مصير الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بيغن لم يغفر وقتذاك للرئيس كارتر ما تصور أنه تعرض له من ضغوطات أميركية للتوصل إلى معاهدة اتفاقيات كامب ديفيد فإن بيغن نجح مع اللوبي اليهودي وقتذاك في أن يوجه للرئيس كارتر خسارة قاسية في انتخابات الولاية الثانية له، وبالتالي فإن مهمة الرئيس أوباما اليوم هي أصعب كما يبدو مما كان يتصوره أو يعتقده ولاسيما أنه بات معروفاً أن السلام المنقوص أو السلام على مسار واحد دون المسارات الأخرى أمر في غير الاتجاه الصحيح كما أكدته الحقائق بعد اتفاقيات كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقيات التي عقدت مع الجانب الأردني أو الفلسطيني.
إن فشل جورج ميتشل في مهمته مع الجانب الإسرائيلي سيعود بالقضية إلى متاهات ضياع جديدة ولاسيما أن كل المؤشرات تؤكد أن الإدارة الأميركية بصدد الخروج من هذا النفق وهي وضعت اللمسات الأخيرة لخطة أميركية جديدة تقوم على: أولاً قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ليس بحدود 1967 كما يفترض وثانياً الاعتراف بالقدس عاصمة للدولتين وثالثاً والأهم تسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس التعويض أو التوطين وفي كل هذه البنود فإن الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
إن استحالة حل الصراع العربي الصهيوني وفقاً لتلك البنود أمر مؤكد وتقزيمه إلى هذا الحد من الطروحات الأميركية الممالئة للجانب الصهيوني لن يكتب له النجاح، «فإسرائيل» خلقت في هذه الأرض العربية لا لتؤسس لسلام مع العرب بقدر ما هي تؤسس إلى المزيد والمزيد من الحروب وقضم المزيد من الأرض العربية والمزيد من الهيمنة والسيطرة على مقدرات الأمة ومقومات نهوضها.