أســـئلة الذات وموســـم الهجــرة من الحيـــاة
شؤون سياسية الثلاثاء 29-9-2009م د. أحمد الحاج علي صار السؤال الأكثر بساطة هو الأخطر وهو الأكثر صعوبة والسؤال البسيط عادة هو الموصوف بانطلاقه من الذات وبإحاطته لوجع وأزمة وباتجاهه من الإحساس إلى البحث عن حل
أوتلمس مقدمات لحل أو مايشبه الحل وفي دنيانا العربية من خلال الواقع والوقائع معاً نكتشف مع كل إيقاع في التدهور أننا تنازلنا حتى الآن عن نسقين من الأسئلة المهمة . تنازلنا عن نسق أسئلة الطموح والانبعاث والثقة بالذات والانطلاق في مقدمة العالم حضارياً حتى لكأننا لم نعد نستجيب لهذا الطموح إلا بقدر مايأتي من الماضي وبقدر مايرتد إلى الماضي نفسه لقد أنجزنا بفعل فاعل وبتراكم وبدرجة عالية من التسيب أنجزنا لحظة من الخواء حتى لكأننا لم نعد نملك الإحساس بذاتنا ثم صرنا نذوق هذه الحالة باستطالات إلى الخلف ندعي ونتورم ونضحك على أحلامنا بأنها كانت وبأننا كنا ثم جاء موعد التنازل عن النسق الثاني من الأسئلة العربية وهو المتصل بالدور الوظيفي وبالمهام المشتركة للعرب أنفسهم, وكان من الممكن أن يستحث هذا النسق من الأسئلة العقل والضمير والساعد لكي نكتشف من نحن أولاً وماذا فينا وعلينا وماذا نملك وما حصتنا في أن نشغل العالم وننشغل به؟ لكن الذي حدث هو حالة من التحول المأساوي فهناك من أراد أن يلغينا من الخارج وهناك من رأى أن دورنا هو في التلقي والانغماس وبيع القضايا والثروة وشراء المستهلكات وصور التكنولوجيا الخادعة وأسئلة دور الذات تضعنا أمام أنفسنا وتقيسنا نسبة للآخر وتعطينا المؤشر على مقدار مانملك من عوامل الدور والفاعلية باعتبارات مانملك من الدافع والحق والثروة والضرورة والخبرة وهذا مايجعل من هذا النسق من الأسئلة قاسياً وضاغطاً لأنه يستعيدنا من الهذيان إلى الإحساس بالواقع ومن الادعاء إلى التقويم العملي والموضوعي للمأساة الناشبة كان الأصل أن تبقى العقلاقة قائمة بين عناصر وجودنا وهي كتلة من العوامل الأدبية والسياسية والمادية والمسلكية وبين الكيفية التي تجمدنا عندها وحاولنا أن نروض أنفسنا على أساسها ماذا لو كانت المحصلة بل المحصول في الواقع في حدود الصفر وكل شيء من المكونات يدل على أنه يجب أن يكون في حدود المئة عندها وبفعل الفارق النوعي الهائل بين المكونات والنتائج المتحققة سوف نكتشف أن المأساة ليس في حدود الخسارة بل هي في مستوى آخر أكثر هولاً وهو أننا لم نعد نعرف من نحن وماذا نفعل وكيف لانلتمس خطوة البدء وكيف لا نصاب بالصدمة الموحشة التي تأتي بكونها إشارة على هول الكارثة القادمة وعلى مدى الاستلاب والإحباط اللذين استبدا بمجمل عناصر وجودنا واحتمالات حركتنا وتحركنا، ذلك هو المستوى من الأسئلة والتساؤل الذي يؤطر لعناصر الصورة بكاملها أعني مستوى أسئلة الطموح وأعني مستوى أسئلة الدور والمهمة ومعروف أن الأمم القوية والمتطورة تبني ذاتها في حمى أسئلة الطموح والدور معاً وهي تتشبث بهذه الخاصية تحدد بدقة مالديها ومن لديها ثم ترسم صورة للطموح والدور وترى في العالم كله جمالاً حيوياً ومساراً حضارياً لكي تحقق هذه الفكرة تبعاً لسماتها ومزاياها وبدافع من خصائصها الحضارية ورؤيتها للمجموعات البشرية وعلمتنا التجربة المعاصرة أن أمم الغرب ضخمت أسئلة الطموح والدور وانتشت بفعل مايتحقق لها من مقامات وامتدادات على مستوى العالم حتى تكثف كل شيء عندها في نطاق دوافع الاستعمار وهوس السيطرة وهمجية النهب المنظم والتدمير المنظم لكن شيئاً بقي هو المحرك والمحرض لدى هذه الأمم هو تخطيها لحدود الذات وعناصر الترهل فيه إلى البحث الدائم والفعل الدائم والإنجاز الدائم لأسئلة الطموح والدور عبر أجوبة مساحتها العالم كله، وأهدافها مالدى العالم كله، لكن هذه الأمم الغربية أدركت أن التراجع عن هذه الفكرة سوف يرجع بها إلى حد خطير تتآكل فيها من الداخل، تتصارع وتنهار، وهكذا فإن العاصم والأمان هو في تأسيس الفعل والحركة عبر مرحلة مابعد الذات ومابعد حدود الموقع الجغرافي والسياسي وعلى حساب الآخرين ، ومن حساب الآخرين ولم يعد هناك إحساس بالذنب في ذلك لا أحد في الغرب أقصد في دوائر من يملك القرار السياسي يشعر بالحرج أو بالانحراف من حالة نقل الدور والطموح بالأسئلة والأجوبة إلى مناطق الدنيا والتي يشكل العرب أكثرها خصوبة وأشدها جذباً وأسهلها تعاملاً وبطريقة أضع الأمور في نصابها ولاسيما في مستوى أسئلة البحث عن الذات العربية في مجمل علاقات هذه الذات مع القضايا العربية والحقوق العربية والاحتمالات المأساوية المتشكلة في الأفق وهذه المنطقة من الإحساس بالسؤال والمسؤولية معاً إنما تستوطنها بواعث البقاء على قيد الحياة ومقومات الاستدلال على أن المجموع العربي يعرف وجوده يتحسس الواقع ويتألم ويحاول ولو بصورة خافتة أو شاردة أن يعبر عن هذه المرارة بما يعني وجوده ووجودها.
إن المسألة هنا متصلة بعناصر حياتنا السياسية والمادية الراهنة أي إننا نمتلك شرط الحقوق والقضايا العادلة ونمتلك كل الدوافع والمبررات لكي ندفع الموت عن أنفسنا وأن نؤمن لقضايانا حداً أدنى من الانتعاش والدوام والتأثير علينا وعلى الآخرين ونحن أمة لسنا حضارات متصارعة وشعوباً متحاربة وقبائل مسكونة بالذبح والهذيان التاريخي واستبداد (تابوهات) الفعل الذي لايصلح إلا للموت البطيء وهذه القضايا والحقوق هي أحداث ووقائع وقضايا كبرى تجري عليها تعديات كبرى والانحراف عنها وتبديدها بطريقة النمط السياسي القائم والاعتماد على الأجنبي في تثبيت هذه القضايا وحلها هو الجنون العربي الراهن وليس مجرد النكسة العربية فحسب ولا أحد على مدى التاريخ ولا أحد على امتداد الجغرافيا يتنازل عن قضاياها وحقوقه العادلة والفناء تحديداً كان بانتظار أولئك الذين تنازلوا لعل الصورة الآن تنطق بملمحين عند العرب هما هل نعي ماالذي يحدث فيناولنا؟ أما الآخر فهو هل نحن على استعداد لكي يدفن الأموات في الخطوات القادمة؟.
|