وإن الحياة في الوادي بدأت تعود إلى طبيعتها. بل إن السلطات طلبت من النازحين العودة إلى ديارهم وهي تعتزم إغلاق المخيمات التي أوتهم قريباً جداً.
والواقع ،إن رواية الحكومة لحقيقة ما يجري هناك إنما تعكس رغبتها أو ما تحب أن تكون عليه الأمور ولا تعكس بالضرورة الحقيقة والتي تفيد أن الجيش الباكستاني يخوض حرباً لم يتسن له التدرب عليها، وهو غير مؤهل للتعامل مع المشكلات الإنسانية الناجمة عن هذه الحرب فضلاً عن إن مشكلة النازحين لا تمثل أولوية بالنسبة لهذا الجيش.
وفي ضوء غموض ما يجري في تلك المنطقة يبدو من الصعب إصدار أحكام قطعية خاصة في ظل حالة الاضطراب التي تسود المنطقة بينما تمنع السلطات الصحفيين الأجانب من زيارة الوادي باستثناء مدينة مينجورا، كبرى مدن الإقليم، وهي زيارات يفرض خلالها قيوداً مشددة على تحركات الصحفيين ، بسبب خطورة الوضع الأمني في المنطقة، ويرسم عمال الإغاثة واللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان صورة قاتمة لما يجري في الإقليم مغايرة طبعاً لما تقوله الحكومة الباكستانية ، وحسب هؤلاء فإن الحرب لا تزال مستمرة حيث يواصل انتحاريو طالبان تفجير أنفسهم وسط جنود الحكومة ويسمع المواطنون هدير المدافع يومياً، بينما لا تزال الشوارع إما مغلقة أو تصعب حركة المرور فيها. وكل يوم يتم الكشف عن المزيد من المقابر الجماعية والتعرف على المزيد من الجثث، ورغم أن بعض القتلى هم من حركة طالبان، إلا إن ناشطي حقوق الإنسان يقولون إن هناك كثيراً من الجثث تعود إلى ضحايا العنف والقتل غير القانوني .
وقد أبلغ سكان مينجورا عمال الإغاثة إن المشكلة الرئيسية التي يعانون منها هي الجيش الباكستاني، بل يجاهر الكثير من السكان بكراهيتهم للجيش الذي اعتبروه العقبة الرئيسية أمام تقدم منطقتهم، وقال البعض إن الجيش يتحكم بحياتهم، دون أن ينجح في تنظيف المنطقة من مقاتلي طالبان، وهي مهمته المفترضة، وبسبب ذلك يسود الذعر بين المواطنين خاصة وأن الكثيرين ممن اعتبرهم الجيش موالين لحركة طالبان قد اختفوا دون أن يعرف أحد مصيرهم.
ويقول العائدون إلى الوادي أن حياتهم تحولت إلى عذاب يومي خاصة أن وكالات الغوث الدولية لا تعمل إلا بإذن من الجيش، ما يقلل كثيراً من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة، بينما يستمر الاقتصاد الباكستاني على ضعفه الذي يتوقع أن يتواصل لفترة طويلة.
في الجانب الرسمي، هناك من المسؤولين الحكوميين من يتهم عمال الإغاثة بتضخيم الأوضاع السيئة في الإقليم وإنهم يتجاوزون عملهم وتخصصهم في تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين في الظروف الطارئة والحرجة، لكن من خلال خبرتي العملية الممتدة لعدة سنوات في تحليل أوضاع المناطق المضطربة في مختلف أنحاء العالم، فإنني أميل إلى تصديق عمال الإغاثة والعاملين في المنظمات غير الحكومية، أكثر من تصديق المسؤولين الحكوميين الذين تدفعهم مصالحهم السياسية إلى تصوير الأوضاع بشكل أفضل مما هي عليه باعتبار ذلك دليلاً على نجاحهم في مواجهتها، وليس على خيبتهم وفشلهم، والحقيقة أن الأوضاع في وادي سوات تثير عدة ملاحظات لا ينتبه إليها المراقبون والمحللون في أغلب الأحيان.
الأولى هي استمرار الحملة العسكرية التي تشنها القوات الحكومية على حركة طالبان وهو ما رحبت به واشنطن كثيراً ، وأعلنت دعمها له، ولكن هل النجاح الذي حققته القوات الحكومية في حملتها هذه هو مجرد نجاح تكتيكي مؤقت يخفي خلفه فشلاً استراتيجياً في التعامل مع المواطنين وملاحقة عناصر حركة طالبان؟وحتى الآن لم تنجح هذه الحملة في قتل أي واحد من قادة طالبان.
والملاحظة الثانية تتمثل في عدم انتباه إسلام أباد بما يكفي لتزايد أعداد نازحي الحملة العسكرية.
ورغم مساعدات الإغاثة التي قدمتها واشنطن بقيمة 335 مليون دولار ، يلاحظ أن إسلام أباد لم تنفق إلا جزءاً صغيراً على النازحين ، وإذا كانت واشنطن تدرك حجم الأزمة الإنسانية وخطرها، فلماذا لا تشجع إسلام أباد على إعادة النازحين إلى بيوتهم التي فروا منها بسبب النزاع والعنف، علماً أن حياتهم لا تزال في خطر، ومن الصعب مساعدتهم إنسانياً هناك؟
والملاحظة الثالثة هي ضعف تغطية الإعلام الدولي واهتمام ناشطي حقوق الإنسان بمأساة وادي سوات ويفسر هذا الضعف جزئياً بعدم قدرة الصحفيين والناشطين في حقوق الإنسان على التنقل الحر في المنطقة المنكوبة، وعلى واشنطن أن تعمل من أجل توفير المزيد من الشفافية والمعلومات عن حقيقة ما يجري في تلك المنطقة حتى وإن اضطرت للاستعانة بمصادرها الاستخبارية الخاصة.
وحالما تتوافر الشفافية المطلوبة، سيكون بوسع المجتمع الدولي تقديم مساعدات أوسع تنقذ حياة سكان الوادي المنكوب.
بقلم: مورتون أبراموفتز