في معركة تستحوذ على اهتمام سياسي وإعلامي إقليمي ودولي، باعتبار اليونسكو أهم مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالثقافة والعلوم والتربية
مع نهاية هذا اليوم يكون قد اتضح على الارجح اسم مرشح مجلس اليونيسكو التنفيذي لمنصب المدير العام . وهذا المجلس مكون من 58 عضوا يمثلون المجموعات الانتخابية في اليونسكو. وسيعرض قرار المجلس على المؤتمر العام، الذي له الكلمة النهائية، وعادة هو يصادق على ترشيح المجلس.
وثمة ثمانية مرشحين للمنصب ابرزهم اضافة الى وزير الثقافة المصري فاروق حسني النمساوية بينيتا فلندو، وزيرة الخارجية السابقة ومفوضة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وقد تعاقب منذ العام 1946 تاريخ تأسيس المنظمة على إدارة اليونسكو تسعة مديرين عامين هم البريطاني جوليان هكسلي 1946، المكسيكي خايمي توريس بوديت1948، الامريكي جون و. تايلور1952، الامريكي لوثر إيفانز1953، الايطالي فيتوريو فيرونيزي1958، الفرنسي رينيه ماهيو1961، السنغالي أحمد مختار امبو1974، الاسباني فيديريكو مايور1987، واخيرا ومنذ العام 1999 الياباني كويشيرو ماتسورا.
والعرب وهم أعضاء مؤسسون في هذه المنظمة (مصر، لبنان والسعودية) الوحيدون الذين لم يأخذوا فرصتهم في إدارتها وقد تناوب عليها معظم المجموعات الإقليمية الأخرى، علماً أن العديد من الشخصيات العربية ترشحت لهذا المنصب ولم يحالفها الحظ وكان آخرها في انتخابات العام 1999 عندما ترشح د. غازي القصيبي من المملكة العربية السعودية.
ولدت فكرة تأسيس اليونسكو في خضم الحرب العالمية الثانية، ومنذ العام 1942 بادرت مجموعة من حكومات البلدان الأوروبية التي كانت تواجه ألمانيا النازية وحلفاءها إلى عقد اجتماع لها في انجلترا ضمن إطار مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية، كان السؤال المطروح لتلك الدول آن ذاك، كيف لها أن تعيد بناء النظام التعليمي بعد انتهاء الحرب، وسرعان ما تتطور المشروع واتخذ بعداً عالمياً مما دفع حكومات جديدة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المشاركة فيه، وبناءً عليه وفي العام 1945 فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقترح وزراء الحلفاء للتربية عقد مؤتمر في لندن للأمم المتحدة يسعى لإنشاء منظمة تعنى بالتربية والثقافة، فانطلقت اليونسكو في العام 1946 بعضوية 37 دولة لتصل اليوم إلى 193 دولة عضو، إضافة إلى مجموعة من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي تتمتع بصفة عضو مراقب ومنها فلسطين التي حظيت بهذه الصفة منذ العام 1989.
ثمة عوامل عدة تتحكم بحظوظ المرشح لمنصب المدير العام للمنظمة ، يعتمد أولها على اسم المرشح كشخصية بارزة على المستوى الدولي ولها مصداقيتها وانجازاتها على المستوى المؤسساتي في المجال الثقافي، العلمي، التربوي أو الإنساني كما كان في انتخاب فيدريكو مايور الاسباني، الوزير والشاعر والباحث البيولوجي. والمعيار الثاني أن يكون ممن عملوا في اليونسكو حيث فهموا المنظمة واثبتوا كفاءة وجدارة من خلال انجازاتهم وهذا ما كان مع الايطالي فيتوريو فيرونيزي الذي شغل منصب رئيس للمجلس التنفيذي قبل توليه إدارة المنظمة وكان متمكنا وخبيرا بطريقة عمل المنظمة، أما المعيار الأخير فهو يعتمد تقدم الدول بمرشحيها مؤكدة دعمها وتوظيف إمكاناتها وعلاقاتها من اجل المنظمة، وهنا يعتمد المرشح على قوة دولته، وبرز هذا المعيار مع الياباني كواتشيرو ماتسورا الذي شغل العديد من المناصب الحكومية وكان آخرها تعيينه سفيرا لليابان في فرنسا.
أمام هذه المعايير أين يقف المرشح العربي اليوم؟ في حملته الانتخابية، تناول السيد فاروق حسني، الفنان التشكيلي والوزير، أهم الانجازات التي تحققت في عهده اثناء شغله منصب وزير الثقافة منذ 20 عاما، ، كبناء مكتبة الإسكندرية وترميم العديد من المعالم الأثرية كمنطقة الأهرامات بالجيرة ومعبد الأقصر بأسوان والمنطقة الأثرية بوادي الملوك والبدء بترميم منطقة القاهرة التاريخية ..الخ، وتؤكد مصر في حال فوز مرشحها نيتها توظيف كافة علاقاتها الدولية وإمكاناتها للعمل من اجل توفير الدعم لبرامج المنظمة، انطلاقا من دورها ضمن العديد من المجموعات الإقليمية التي تنتمي إليها وقدرة تأثيرها عليها، كالمجموعة العربية، الافريقية، الفرانكوفونية والمتوسطية.
وقد تعرض حسني لعدة حملات رافضة ترشحه لهذا المنصب أهمها حملة مجموعة من الأوساط الثقافية الفرنسية المعروفة بتأييدها لإسرائيل واتهام فاروق حسني بـ«معادة السامية».
ورغم ان مصادر فاروق حسني تؤكد ان امامه فرصة كبيرة للحصول على عدد كبير من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، لكن بعض الاوساط ترى ان حظوظ المرشح العربي - الأفريقي بدأت تضعف برغم انه يحظى بدعم المجموعتين العربية والأفريقية اللتين لهما الأغلبية المطلقة في المجلس التنفيذي للمنظمة المؤهل لاختيار المرشح الفائز . ويرى هؤلاء أن المعادلة ليست بهذه البساطة ذلك أن عوامل عديدة تدخل في الحساب، في مقدمتها موقف الدول الكبرى المتحكمة في النظام العالمي والممولة لميزانية وبرامج المنظمة، ونبض الوسط الثقافي الغربي الذي يشكل الفضاء المرجعي لأدبيات وفلسفة اليونسكو منذ تأسيسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ويمكن القول :إن هذين العاملين الحاسمين ليسا في مصلحة المرشح العربي.