ومنذ التوقيع على اتفاق أوسلو ومع كل اتفاق فلسطيني- إسرائيلي على وقف الاستيطان كانت إسرائيل تستثني أماكن في محيط المستوطنات لأغراض النمو الطبيعي للمستوطنين وتحاول اليوم استثناء القدس من النشاطات الاستيطانية من دون أن يتوقف البناء في المستوطنات لحظة واحدة. فحتى الآن مازال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمارس ألاعيبه للتهرب من التزام وقف كامل وشامل للاستيطان لمدة تسعة أشهر في الضفة الغربية مقابل التطبيع وفقاً لرغبة أميركية.
وبدلاً من الاستجابة للطلب الأميركي يقر بتسريع وتيرة الاستيطان ووزير حربه إيهود باراك يعطي الضوء الأخضر لبناء 457 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة. ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان يعلن سعيه لمحو القضية الفلسطينية ورفضه معادلة الأرض مقابل السلام ويستبعد التوصل إلى اتفاق ويدعو للتعايش من دون حل القضايا القائمة، ونائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم يعتبر الاستيطان أداة رئيسية وحيوية لبقاء إسرائيل.
هذه المواقف وتلك التصريحات ليست رفعاً لسقف التفاوض كما يتوهم البعض بل هي مواقف مبدئية تعكس تفكيراً يمينياً متشدداً خلف فكرة الاستيطان وخصوصاً عند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فالاستيطان كان دائماً وسيلة حكومية لتكريس الأمر الواقع في مواجهة أي مبادرة سلام دولية لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وليس صحيحاً القول إن البناء بهذه الطريقة أو تلك الوتيرة يهدف إلى تحسين أوراق إسرائيل التفاوضية أو إلى إقامة دولة فلسطين بشروط إسرائيلية، فالهدف هو مواصلة الاحتلال من خلال الاستيطان وطرد السكان العرب الأصليين من ديارهم تحت ما يسمى بـ أرض إسرائيل والدليل على ذلك أن إسرائيل ما زالت حتى الآن تسمي الضفة الغربية المحتلة «يهودا أو السامرة» في الأوراق الرسمية وفي الأوامر الحكومية والعسكرية ووسائل الإعلام.
فالاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 عند بنيامين نتنياهو حق مشروع وغير قابل للنقاش. إن حق اليهود السكن في الخليل ونابلس وشرق القدس معترف به حسب زعمه من قبل العالم تماماً كحقهم بالسكن في حيفا وتل أبيب وغرب القدس بمقتضى وعد بلفور وقرارات مؤتمر فيرساي وقرار الانتداب الصادر عن عصبة الأمم.. في تلك الأيام لم يكن هناك مصطلح الضفة الغربية وأن أحداً لم يقترح الفصل بين الضفة الغربية وبقية أجزاء البلاد مع العلم أن الضفة الغربية تعتبر قلب البلاد التي شهدت أهم الأحداث في تاريخ الشعب الإسرئيلي قبل الشتات.
إسرائيل اليوم تحاول التذاكي مستغلة مستوى الضغط الأميركي والدولي لوقف الاستيطان والتي لم تصل أبعد من الكلام والتصريحات التي لا معنى لها وكلمات الأسى والأسف لتعميق الاحتلال تحت دعاوى النمو الطبيعي أو القدس ليست مستوطنة ولا تخضع لتجميد الاستيطان مع أن القدس الاستيطانية أكبر من القدس الشرقية والغربية في آن واحد، ومن السذاجة كما يقول والتر روجزر رئيس مكتب شكبة «سي ان ان» الأميركية في القدس المحتلة الاعتقاد: إن إدارة أوباما قادرة على دفع عملية سلام في الشرق الأوسط إلى الأمام بجعل إسرائيل تجمد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وهل يعتقد أي مراقب للمنطقة بأن شهية إسرائيل للأرض التي يمتلكها الفلسطينيون منذ أجيال سوف تجمد؟
يتابع روجزر قائلاً: إن انتزاع إسرائيل للأراضي مستمر منذ أربعة عقود في تحد للقانون الدولي ومعظم رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، مضيفاً: إن المستوطنات التي أصبحت سرطاناً زاحفاً بالنسبة للفلسطينيين باتت تشكل مسألة حساسة بصورة بارزة بالنسبة لإسرائيل، ومن المؤكد أن يستمر نموها بصورة علنية مكشوفة أو في الخفاء.
فتوسيع المستوطنات على أطراف القدس حسب وزير الداخلية إيلي يشاي 10/8/2009 أمر حيوي للأمن والمصالح الوطنية وهو عادل وضروري، إضافة لذلك هناك 300 ألف مستوطن يهودي الآن يصفون الضفة الغربية بأنها وطنهم ويصر المتدينون والمتطرفون منهم على أن هذه الأرض قد منحت لهم من الله بموجب النص الوارد في الآية 24-11 في سفر التثنية من التوراة والقائل «إن كل مكان تدوسه بطون أقدمكم لكم من البرية ومن لبنان من النهر الكبير نهر الفرات إلى البحر الغربي، يكون تخمكم» واستناداً إلى ما تقدم فإن الإسرائيليين يعتبرون أن الاستمرار في بناء المستوطنات وتوسيعها حق مشروع لهم وحدهم دون سواهم وعلى الفلسطينيين والعرب أن يتقبلوه وأن يتكيفوا معه.
إن سوء النية لدى الإسرائيلي في شأن الاستيطان واضح كوضوح الشمس ولا يقبل الشك أو التأويل وإن تل أبيب لن تسهل ما ينوي الرئيس الأميركي القيام به لتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي بل على النقيض من ذلك فإنها تضع الشروط تلو الشروط وهي ماضية في السماح والترخيص لبناء المزيد من المستوطنات والأخطر من ذلك أن الإسرائيليين يريدون السماح لهم بتحليق طائراتهم التجارية في الأجواء الخليجية دون أن يوقفوا هدير جرافاتهم في المستوطنات اليهودية لأن تجميد الاستيطان غير وارد في المطلق بل إن الوارد هو إبطاء وتيرته وهذا هو الأسوأ.