هو نوع من الفن الفوضوي استخدم قواعد لعبة جديدة تعتمد على إثارة الفوضى وتوظيفها في المدارس الفنية لخلط أوراقها.. إنه تيار يعتمد على استخدام كل ما تلفظه الحضارة الاستهلاكية المعاصرة وما يسمى «تدوير» المواد التي لم تعد صالحة للاستخدام بدءاً من الألبسة البالية وصولاً إلى إطارات السيارات وأنقاض المباني، فأبراج نيويورك التي تحطمت في 11/9 صنع منها صرح تاريخي في الساحة ذاتها.
لقد نجح هذا التيار وترسخ عبر ضفتي الأطلسي والهادي وارتبط بالاستثمارات والمضاربات في سوق البورصة وبدأ مريدوه من رجال الأعمال يرفعون أسعار هذه الأعمال الزائفة لتوظيف أموالهم في هذا الصنف من الاستثمارات.
واحد من الذين يناهضون غزو هذا الفن الفوضوي النحات العالمي آلان كيريلي البالغ من العمر 63 عاماً ويقضي وقته متنقلاً بين باريس ونيويورك منذ أعوام السبعينيات
أهم أعماله الضخمة ينتصب في حديقة التويليري الواقعة على مدخل اللوفر، وهو يهيىء حالياً لمعرضه الباريسي مع الرسام العالمي رون غورشوف في كانون الأول القادم.
كيريلي مدافع عنيد عن الفن المعاصر لكنه يخشى عودة (الكيتش) بقوة إلى هذا الفن.
في حوار له مع صحيفة لوموند يقول: إني أتحسس منذ زمن عودة هذا الفن الذي يساهم في تضخيم الأزمة الاقتصادية والإفلاس. إنها ظاهرة يستوحي منها الكثير من المتملقين والمدعين، الكيتش هو فن بضاعة رخيصة في عالم الفن وهو ليس فناً بل ما يشبه الفن ويقدم لنا عالماً على صورته وأفضل من قام بوصفه إيرمان بروش الذي قال منذ العام 1955 في أحد كتبه: لا بد أنه يوجد خلف فن الكيتش إنسان كيتش ومجتمع كيتش قائم على النصب والاحتيال والتقليد واليوم يمثله رجال المصارف برواتبهم الخيالية وعلاواتهم التي لا مبرر لها، ولم يمنع ذلك الحكومات من تعويمه ونشره. أنا قلق جداً من رؤية هذا الانحراف الفني يفرض نفسه في كل جيل وعندي أمل أن تتخذ قرارات على مستوى العالم كي لا نقع في أزمة ثقافية كبرى متعلقة بالقيم وأهمها القيم الجمالية. وعن الأساليب الواجب اتخاذها للوقوف في وجه هذه الانحرافات يقول كيريلي:
بالرغم من هذه الفوضى فإن الإبداع لا بد أن يجد طرقه المتعددة والرائعة ليؤكد ذاته في شتى مجالات التعبير وهناك تعاضد قوي في الوسط الفني بعيداً عن الدوائر المؤسساتية أوالتجارية بهذا الشأن أنا من جهتي أود تقديم ورشات عملي جميعها لتقام فيها حفلات موسيقية أو حفلات قراءة الشعر أو أي نشاطات ثقافية أخرى لا تجد أماكن تساعدها على الانتشار.
إن القدرة الرمزية للفن الحقيقي قادرة على مقاومة زيف الفن الهابط بأن تعري العلاقة مابين المشاعر والشكل وعن سؤال كيف يترجم ذلك من خلال أعماله يجيب كيريلي: في التعامل مع الأدوات ونحت الحجر هناك إشارات لاستهلاك غريزي مباشر تضع إيروس (غريزة الحب في رأي فرويد) في مواجهة تاناتوس (غريزة الموت في مقابل غريزة الحب) أيضاً الرغبة الجنسية التي تظهر عبر الإبداع أفضل جواب لكل غثاثة في المشاعر كاستخدام الوسائل الصناعية في الإنتاج الفني والرهان هو المهم في ذلك ولأن إنكار التميز هو إشارة خطيرة لشمولية المجتمع، لقد ثمنت عالياً التزام الرئيس الأمريكي أوباما بأن يخصص ميزانية ثقافية في إدارته وهذه إشارة قوية إلى أننا اليوم نرى فنانين محترمين يمرون بظروف مادية صعبة.
بالنسبة لي الإبداع هو فعل مقاوم وهذه ميزته المباشرة والفعالة التي تسمو بنا فوق اللامبالاة والصفاقة ففي اللحظة التي أعرض فيها منحوتاتي في شوارع نيويورك أشعر بعلاقة عميقة بينها وبين أي تجمع معارض للحكام الديكتاتوريين، وشغفي بالإبداع وإن كان فردياً يمكن أن يظهر كصدى للرغبة في الانعتاق.
وعن عمله في الصروح يقول: إن الصرح ذو دلالة سياسية لأن له علاقة بالمكان الذي أقيم فيه وأنا حساس جداً حيال الالتزام في مدينة مثل باريس أو غيرها، وهذا مايساعد على الحوار عبر جمهور عريض عندما نكون خارج الأماكن الخاصة كالمتاحف. إن الصرح بالنسبة لي هو تحد، ولا أستطيع فهمه غير ذلك. لأنه يدعو الزائر إلى تلمس عمق العمل الإبداعي وشعوره بالدفء الذي يمثله هذا العمل التجريدي.
أعمالي المقامة في جادة الشانزليزيه لم تكن يوماً هدفاً للصوصية بل كانت هدفاً للجمهور ليتوقف عندها ويأخذ الصور التذكارية بجانبها. أنا أبحث عن العنصر الأصيل للمادة التي أعمل بها ولو أن الصرح مصنوع من الحجر.
الفن هو خلق وإبداع وما أتمناه ألا يتحول إلى سوق بورصة ومضاربة.