اليوم وهو في هذا العمر الجميل يفتح دفاتر الذاكرة وينتقي من رحلاته وأسفاره صفحات، كيف لا وفي الأسفار كما يقال خمس فوائد لعل في أولها التجديد والمتعة والمعرفة.
«مدن وأسفار» كتاب شاعرنا الجديد الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وهو بوح من الذاكرة ، فنثر شاعرنا بساتين رياض فكيف بقصائده التي ولدت في هذه الرحلات؟
يحار المرء من أين ينتقي ويختار فالكتاب كله رحلة شائقة وممتعة ولكن لا بد من أن نختصر.
بداية:
أحلم بالسفر
خلف الغيوم والنجوم والقمر
خلف رذاذ الموج والمجداف
وراء هذا الصخر والهجير والجفاف
إلى بلاد يغزل الناس بها المطر معاطفاً لمن يحبون
هكذا يبدأ سليمان العيسى بوح الذاكرة وتسجيل محطات من أسفاره /
في باريس:
وفي باريس كما يقول: في فندق صغير في حي مونبارناس نلقي حقيبتينا المتواضعتين أنا وزوجتي وننطلق في شوارع المدينة التي عرفناها من قبل مدينة الحرية والنور ، أنا والدكتورة نتكلم الفرنسية في يسر هي مولعة بالمتاحف وأنا مولع بالحدائق، سنحاول أن يرضي كل منا هوايته وأن نكون معاً في كل مكان.
قلت لزوجتي: في زيارتي السابقة طفت معظم الأماكن المهمة في المدينة: نوتردام، برج ايفل، قبر نابليون، قصر فرساي في ضواحي العاصمة ولكني لم أر اللوفر بعد، لنبدأ طوافنا في اللوفر إذاً هذا المتحف الذي قيل عنه: إنه خلاصة باريس وربما خلاصة الحضارة في العالم.
وغصنا في المترو تحت الأرض نريد خلاصة باريس، لا أدري كم ساعة أمضينا ونحن نجول في قاعات المتحف العظيم نتأمل روائع ما أبدعه الفن وما أنتجته العبقرية على مر العصور.
والغريب أني وجدت نفسي في المتحف العظيم، وتعبت من التجوال في الغرف ، الدكتورة لا تتعب تود أن تقف عند كل لوحة وكل تمثال لو أمكن.
جولة المساء ستكون للحدائق، الحدائق في باريس متاحف طبيعية إنها مزروعة بالتماثيل من كل صنف مزروعة بالفن والجمال.
ونشرد مع الشجر والماء والحجر.
الثوب القصيدة:
ومن الطريف أن نذكر حكاية الثوب الذي اشتراه لزوجته في باريس يقول: في الطريق إلى الفندق نمر بأحد المخازن الرائعة لعرض الثياب، اتوقف قليلاً، وندخل معاً المكان الفسيح نستعرض فيه روائع «الذوق» هذه المرة.
يستوقفني ثوب وردي بسيط في إحدى الزوايا، أقول للدكتورة: لا بد أن نشتريه ، أعرف أن نقودنا قليلة، ولكنك ستأخذينه ولو بقينا يومين بلا طعام.
تضحك أم معن وتقول: أنا لست ضد الثوب الوردي ولكني أؤثر أن نوفر بقية نقودنا لمتع صغيرة أخرى، فيجيب شاعرنا، القصيدة والثوب الجميل كلاهما فن ممتع، كلاهما شعر، نبتاع الثوب الوردي البسيط ونخرج وأنا أشعر أني قد أنجزت قصيدة جميلة جديدة.
في بروكسل:
يبدو أن حنين الشعراء مختلف كل الاختلاف عن حنين الآخرين فالشاعر يبحث عن خطوات المحبوبة ويتمنى أن يسير عليها قبل أن يتعارفا وهذا ما قاد شاعرنا إلى بروكسل حيث كانت دراسة زوجته فيقول: خاتمة الرحلة كان في الأيام الثلاثة الأخيرة التي خصصناها منذ البدء لزيارة بروكسل العاصمة التي كنت أحلم بزيارتها منذ أمد بعيد، لا لأنها أجمل عواصم الدنيا، ولكن لأنها كانت البلد الذي عاشت فيه رفيقة الدرب أعواماً أربعة هي أعوام الدراسة التي قضتها طالبة في جامعة بروكسل في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وراحت رفيقتي السمراء تلتهم الشوارع بنظراتها وتدلني على ما كان باقياً في ذاكرتها منها.
قلت لها: دعينا نترك جولة البلد وراءنا ونصعد هذا الترام صديقك القديم رقم/94/ وننطلق إلى الجامعة .
ما الذي يربطني بالشارع بالجامعة بكل هذه الأشياء لا أدري حسبي أنها كانت يوماً هنا، وفي لحظات كنا على الرصيف الذي يمر بإزائه الترام الصديق ذو الرقم /94/.
رفيقتي تحب أن تقف على أطلالها القديمة ، شيء طبيعي ، ولكن ما صلتي أنا بهذه الأطلال، هل هو الحب الذي يريد أن يملك حياة من يحب كاملة دون فجوات؟
ربما كان ذلك ولكنه سيكون حباً مشوباً بالأنانية إذا كان كذلك، ولكن من قال إن الأنانية هنا ليست سوى الحب عينه بأعمق وأوسع معانيه.