كذلك الدور المنوط بالمجموعة حول تعزيز استقلالية الدول الأخرى وكيفية تجذيره، فضلاً عن تحديد مواقفها تجاه العديد من الملفات الأخرى الساخنة.
فقد استبقت قمة دوربان لمجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، وعقدت على هامشها، قمم ولقاءات ثنائية جمعت رؤساء دول المجموعة الروسي فلاديمير بوتين والصيني شين جين بينغ وجنوب الإفريقي جاكوب زوما والبرازيلية ديلما روسيف ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، بحثت في العلاقات الثنائية بين بلدانها، وفي القضايا المطروحة على قمة دوربان. وينظر إلى مجموعة بريكس الدولية باهتمام، التي تشكل نحو 43 بالمئة من سكان العالم، وتنتج نحو 30 بالمئة من الناتج المحلي العالمي، والتي تسعى إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية - المالية، وتالياً تعزيز دورها السياسي الدولي أيضاً. ومواصلة لآليات تعاون المجموعة دشنت القمة مجلس أعمال بريكس بوصفه مؤسسة مهمة يفترض به أن يقود الاستثمارات بين دول المجموعة، وحددت آليات عمله بأن يجتمع مرتين سنوياً، وتكون رئاسته دورياً كل عام. إذ يلبي إنشاء هذا المجلس وفي سياق العديد من مؤسسات المجموعة الأخرى، وبضمنها التوافق على إقرار إقامة مصرف إنمائي، وليس إنشاء هذا المصرف حالياً، التي من شأنها أن تسمح للدول الخمس التخلص من هيمنة الدول الغربية، والاستغناء عن البنك الدولي واحتياطي صندوق النقد الدولي من العملات الصعبة. وإن تباينت الآراء حول آلية إقامة المصرف الإنمائي، الذي يفترض أن يبدأ برأسمال مقداره 50 مليار دولار، أي (10 مليارات من كل دولة)، كذلك آلية عمله وتوزيع الأصوات في أجهزته، كذلك مقره، إلا أن القمة توافقت على إطلاق المفاوضات رسمياً حول إنشاء هذا المصرف. الذي من شأنه ومجلس الأعمال أن تكون مهمتهما تنموية، والمساعدة في تعزيز وتطوير البنى التحتية والمقدرات الاقتصادية لدول المجموعة، واستفادتها من احتياطي العملات الصعبة التي تمتلكها معاً والمقدرة بـ4500 مليار دولار. كذلك توظيف هذه الإمكانية المالية والاقتصادية في مساعدة الدول الناشئة الأخرى، وشبكة علاقات المجموعة الاقتصادية مع دول العالم الأخرى. كما اتفقت القمة على عقد لقاء لزعمائها على هامش اجتماع مجموعة العشرين الدولية المقرر عقده في سان بطرسبورغ الروسية في أيلول القادم، وتقييم النتائج العملية لقمة دوربان حتى ذلك الوقت.
وأكدت كلمات رؤساء بريكس إصرارهم على تجسيد تنسيق مواقف المجموعة السياسية وكيفية تعاطيها مع الإشكاليات المناطقية والدولية، وضرورة تعزيز دور المرجعيات الدولية وبخاصة الأمم المتحدة واحترام أنظمتها في التعامل مع هذه الإشكاليات التي يعيشها عالمنا.
وفي هذا السياق ينظر إلى لقاء قادة بريكس بعيد قمتهم مع نحو خمسة عشر من القادة الأفارقة في دوربان، وبحث آليات التعاون بين المجموعة وإفريقيا (قارة ودولاً). كما ينظر إلى البيان الختامي الصادر عن القمة، الذي تطرق إلى عدد من الملفات الساخنة، إذ أكد أهمية وثيقة جنيف الموقعة في حزيران من العام الماضي، حول الأزمة السورية، بوصفها أساساً للحل السياسي، وأكد رفض عسكرة النزاع في سورية، وتأييدهم للحوار والحل السياسي، ورفض التدخل الخارجي والعنف.
يشار هنا إلى تسلم الرئيس زوما ومن خلاله قادة بريكس رسالة من الرئيس بشار الأسد حول حقيقة الأوضاع في سورية، طالبت القمة المساهمة في وقف العنف من خلال وقف التدخل الخارجي وتجفيف مصادر الإرهاب وتمويله وتسليمه، مؤكدة الدور الدولي الإيجابي المتنامي لـ بريكس، وتطلع سورية إلى تعزيز العلاقة معها. وكانت المستشارة الإعلامية للرئيس الأسد د. بثينة شعبان قد زارت جنوب إفريقيا، قبل أيام من عقد القمة والتقت الرئيس زوما. ونص البيان الختامي على حق إيران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السليمة، ودعا إلى حل الخلافات الدولية حول برنامج إيران النووي السلمي عبر المفاوضات والحوار، المتزامن مع التزام إيران بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ورفض سياسة العقوبات الأحادية ضدها.
كما تطرق البيان إلى المشكلة الفلسطينية مؤكداً رفضه للاستيطان ووصفه بالمخالف للقرارات الدولية وتعطيله لعملية السلام ودعا المجتمع الدولي إلى دعم الجهود المبذولة من أجل سلام على أساس حل الدولتين، ورحب بانضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة مراقب (صوتت دول بريكس لمصلحة هذا القرار).
إذاً قمة خامسة لقادة بريكس، أكدت حرص زعمائها على تطوير أوضاع المجموعة اقتصادياً، وتعزيز آليات وصيغ التعاون والتنسيق فيما بينها، وترسيخ دورها الدولي، وتأثيره في شبكة العلاقات الدولية الاقتصادية - السياسية، بوصفها أهم الروابط العالمية. وينظر إليها، وإلى تأثير دورها الدولي المتنامي بوصفه تكريساً لتطلعات هذه المجموعة، الهادفة إلى تجسيد الخطوات العملية نحو إقامة التعددية القطبية، والخلاص من نظام الأحادية القطبية الأمريكية وتبعاته السلبية على العالم ومؤسساته ومرجعياته. وهذا ما ناقشته قمة دوربان ودعت إليه، وهذا ما تنظر إليه العديد من الدول والشعوب التي عانت ولا تزال من تبعات الأحادية، ومن تجاهل المرجعيات الدولية لصعوباتها وإشكالياتها. وفي هذا السياق ينظر باهتمام أيضاً إلى إمكانات بريكس الاقتصادية - السياسية، وإلى قدرتها على إحداث توازن في العلاقات السياسية القائمة والمستقبلية لمصلحة عالم أكثر توازناً وأمناً واستقراراً.
* باحث في الشؤون الدولية
Batal-m@scs-net.org