«كل ديك على مزبلته صياح» قول يتناسب مع هذا العالم الافتراضي، وخاصة في مجال الفن والأدب، والوسيلة التي تبرزهما - النشر - فأي إنسان قادر على النشر في المكان والزمان الذي يرغب، وعلى الحائط الذي يريد، حيث العالم كله، وبمجرد توفر جهاز الكومبيوتر، صار حائطا جاهزا للنشر. مما يدفعنا إلى القول بأنه كلما ازدادت تقنيات وأساليب النشر حداثة، كلما صارت الحاجة إلى الرقيب أكبر، وكلما اتسع فضاء النشر رقعة وحرية كلما صارت الحاجة أكبر لقمع تلك الحرية اللفظية التي هي في الواقع - قمة الفوضى ولا تعبر عن أي حرية حقيقية -.
وظيفة الأدب والفن
من هنا القول ان وظيفة الأدب والفن بقيت ذاتها ولم تتغير، لكن الذي تغير هو الواسطة والشكل، فالشكل صار يتناسب مع وسائل النشر، والأشكال الحديثة التي تعتمدها، والواسطة صارت أسهل للاستخدام وأقرب إلى الديموقراطية في النشر (الحرية التي ذكرناها آنفا) مع السيطرة المستمرة للقوى الداعمة التقليدية-لأنها لم تتغير- من أحزاب ومراكز قوى، وكارتلات كبرى، تقوم بدعم مستخدميها، أو مناصريها، أو أتباعها - لنسمها كما يحلو لنا -.
فمن السينما الصامتة، إلى الحكواتي،مرورا بخيال الظل، والعالم الافتراضي الذي نراه اليوم، نرى أن وظيفة الأدب والفن لم تتغير. رغم تغير استخدام المصطلح، أو العبارة، فباسم الله، يقوم (جلاد إسلامي) بسرقة البريد الالكتروني، ومهاجمة من يعتبرهم علمانيين، أو ضد الإسلام على صفحات الانترنت، ومدونته المعنونة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فيها ما لا يمكن تصوره من أنواع الشتائم والصفات والألفاظ التي يعتبرها أي مسلم عادي منافية لآداب الدين الإسلامي و أخلاقياته. ومع شدة إيمانه - كما يدعي - هو والبعض من أمثاله فإنهم لا يتورعون عن استخدام أشد الكلمات والعبارات بذاءة في اللغة.
فهل نصدق بعد ذلك كل ما نقرأ ؟ هل يمكن لنا أن نميز في الانترنت بين الغث والسمين، ألا يمكن لنا أن، نصف (الشبكة العنكبوتية) كالمزبلة التي تدل من خلال كل كيس على نوعية الشخص أو العائلة التي (كتبته). وبالتالي ألا يكتب السفهاء والشطار والأخلاقيون والموهوبون وأنصاف المتعلمين في المكان ذاته، وبالقدر والمساواة ذاتها ؟. مما يدل أن هذا الفضاء صار ملكا للناس عامة لامكان فيه لمحترم،أو تميزا فيه لمبدع.
ولأول مرة في التاريخ يصبح النشر حرا والمكان يتسع للجميع.. ودون أي رادع، وممن ؟
الأدب والفن هما بالأساس صفوة الفكر الإنساني، وبالتالي فإن العاملين فيهما يجب أن تتوفر فيهم الأخلاق الرفيعة والعلم والمعرفة.. إذ لا يمكن لجاهل أن يقود عالما إلا في المجتمعات التي شبعت تخلفا، ولا يمكن لساقطة أن توجه شعبا إلا إذا كانت تعمل وفقا لأجندة أو (فتوى) كما يحدث في هذه الأيام.
وهنا السؤال الأهم: هل يمكن ضبط هذا العالم، ومن خلال الوسائل التقليدية (كالرقابة) أو غيرها، أم أنه لا يمكن ضبطه؟ ومن ثم هل هناك وسائل جديدة غير تقليدية يمكن لها أن تساهم في عملية الضبط؟ اعتقادنا أن العالم الافتراضي اليوم صار أبعد ما يكون عن الضبط، وصار الأدب والفن فيه حاجة يومية تخضع للعرض والطلب، أي لقوانين السوق، ولا تخضع لأي ضوابط أدبية أو معايير نقدية مهما كانت. وإذا أردنا التأكيد فلنقرأ بعض ما استطعت الوصول إليه، وليس الموجود فعلا من -أدب وفن الانترنت -:
لن نغوص معكم في القصص القصيرة جداً وخواطر الفتيات والشبان العاشقين، ورسائل الغرام والوجد والهيام الجسدي والروحي، والكثير من الحشو الذي يملأ هذا العالم الافتراضي،حرصا على وقتكم..