إنه عالم الإنترنت.. العالم الذي صدَّر لنا, آداباً وفنوناً وحضارات العالم, وعبرَ شاشة إلكترونية النبضات. ولكن, هل قدَّم للعالم آدابنا وفنوننا وحضارتنا, بعيداً عن أهداف ومصالح من أرادنا أن نستخدمه لأبشع الغايات.
سؤال توجهنا به إلى بعض من يعمل في مجال الأدب والشعر والفن, ومن أجل أن نعرف أيضا, إن كان هذا العالم يُغني عن الكتاب والصورة المبتكرة والإبداعية, وكذلك عن كيفية تحويل دوره إلى فعَّال وخصوصاً في ظلِّ ما نعيشه وكان للإنترنت فيه الكثير من الأدوار السلبية..
إياد بلال - نحّات:
لا نتعامل معه بحواسنا.. و علاقتنا ليست حميمية
لاشك أن ثورة الاتصالات تستحق هذه التسمية لمجمل ماقدمته للفن والأدب, فهي ثورة انتشار العمل وتسويقه وتحقيق عالميته المفترضة. العمل الذي له دور ايجابي, لاسيما حين يُقدَّم العمل الفني والأدبي بصورة جيدة ويترجم بلغات مختلفة, وبالتالي يعرف كل من يهتم في هذا المجال أو ذاك بالمنتج الإبداعي ونحن بالمقابل نطَّلع على المنتجات الإبداعية للآخرين, وفي كلِّ أصقاع الأرض.
أما عن ملاحظاتي, فأودُّ السؤال عما إذا كانت الحقوق الفكرية للعمل ستظل محمية أم أنها ستتعرض للقرصنة وينسبها آخرون من بلادٍ أخرى لهم؟..
أيضاً, وبالنسبة لبنك المعلومات المتوفر والمُجمَّع في مركز واحد, أليس من الممكن أن يكون استخباراتياً ليحقق لاحقاً خروقاً وحروباً ثقافية؟..
أنتقل للإجابة عما إذا كان الإنترنت يغني عن الكتاب و العمل الفني, وعن كيفية تحويل دوره إلى فعَّال بعد أن استغل حالياً لأغراض هدامة, فأقول, قد يحقق الانترنت سرعة استجلاب المعلومة والمقارنات لكنه يفتقدُ ألق القراءة وكذلك ألق العمل الفني, ففي القراءة هناك حواس تعمل وهي الشم والنظر واللمس, وهنا أنت تتعامل مع كائن أقرب للحي وبعضهم يسميه صديق, فالكتاب بهذا المفهوم يمتلك حضورا حياً بينما في الإنترنت فأنت تتعامل مع جملة خطوات, و ليس هناك علاقة حية وحميمة.
في الأعمال الفنية ترى على شاشة الحاسوب, بأن الألوان أقرب ما تكون إلى الحقيقة لكنها أخيرا مجموعة من البكسلات بترتيب رياضي ما, على عكس العمل الفني الحي حيث العلاقة بين العين والعمل لا تحتاج إلى حجاب, أي شاشة, إضافة إلى أن للموضوع علاقة مع التفاعل والإحساس, ففي العمل المجسم مهما أظهرت صورة النت التفاصيل, يبقى في الواقع الإحساس بالحجم, بالكتلة, بالفراغ والضوء والزمن, وكلها قضايا مختلفة تماماُ.
أخيراً, وعن السبيل لتفعيل دور الإنترنت إيجابياً, فحتماً الأمر يعود للاهتمام الشخصي, إضافة إلى دور المؤسسات المعنية وقبلها الأسرة..
يولا بهنسي - كاتبة وشاعرة:
نتعامل معه كأمةٍ هاضمة وليست طارحة للحضارة
إنه عالمٌ افتراضي, نستطيع من خلاله التواصل بأسرع الأوقات, ويمكننا بلحظةٍ أن نجوب العالم ونتعرف على ردود الأفعال التي تتعلق بموقفٍ أو حدثٍ أو مشكلة ما..
كل هذا, هو شيءٌ من سحر القرنِ الواحد والعشرين. السحر الذي نقل إلينا العالم عبر شاشاتٍ مبهرة, والسؤال: كيف سيكون للإنترنت أثر إيجابي علينا نحنُ كأمةٍ عربية لطالما, نتعامل معه كأمةٍ هاضمة وليست طارحة للحضارة؟؟
ربما نستطيع اليوم طرح مشاكلنا بشكلٍ أكثر جرأة وحرية, وعلى نطاقٍ واسعٍ في الإنترنت والفيس بوك والتويتر, وربما ستأخذ ردود الأفعال الكثير من التفاعل الحيوي, فنظهر في مرحلة ما, كمفكرين أو كمتخلفين, وربما كعلماء وأحياناً كسذَّجٍ.. مؤمنين أو كفره, وبالتالي لن نستطيع أن نصل كحقيقة مطلقة تعبر عنا ضمن المعنى الحقيقي لشخوصنا, فالواقع اليوم يفرض حضارة القوة.
أيضاً, وبعد كل السنوات السابقة, من التطور التراكمي الغربي, في العلوم والفنون والتكنولوجيا, لم نعد قادرين على تقديمِ فنوننا أو آدابنا بشكلٍ يصدقه الآخر ويتأثر به, فقد تراجع ركبنا كثيراً, وأظن بأننا إن صممنا على الوصول والتأثير, سنصل ولكن, عندما نكون أمة أو دولة رائدة, وعبر سنوات من التخطيط والعمل الحقيقيين, فقد تختلف اليوم الأسماء في أقوالنا, مآثرنا, إبداعاتنا.. وهو ما يُنشر ويُروَج في الإنترنت الذي ما أكثر ما نلاحظ فيه, قولاً لأديب مثل الـ»جاحظ» هو بالأصل لـ «أبي العلاء المعري», وهذا على سبيل المثال وما أكثر الأمثلة التي نُسبت فيها أعمال وأقوال رجال أدبنا وفكرنا وفنوننا لآخرين..
أما السؤال الملحّ فهو: كيف سنؤثر في تلك الحضارات التي نلاحظ اليوم بأنها تسبقنا دون أن تلتفت لآدابنا وفنونا؟.. حتماً لن نشعر بالعجز وأظن بأن الأمر بسيطاً, وأرجو أن نعود إلى عقولنا لنبحث عن مآثرنا. أرجو أيضاً أن لا نحمل ذكرى اليوم إلى الماضي, ولا أظن أننا بذكرانا قد حققنا شيئاً..
لننظر إلى المستقبل على أنه شي نستطيع من خلاله تحقيق المعجزات, ولنضع تلك المعجزات كهدف لنا, ولنسير في الطريق وأظن أننا سنصل..
محمد حاج قاب - مصوّر ضوئي:
الانترنت مثل سكين مطبخ.. للطهي والقتلِ في آنٍ
من وجهة نظري أن الفن والإنترنت لغة تعكس مرآة المجتمع من عدة نواحي وأهمها الناحية الفنية, وبدليل أن الشاعر الفرنسي الشهير «لامارتين» قام في رحلته إلى دمشق بزيارة «خان أسعد باشا» فانبهر بهندسته وطريقة بنائه ومن ثمَّ قال: «إن شعباً فيه مهندسون لديهم الكفاءة لتصميم هذا الإبداع الإنساني والعمراني, وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء, الجدير بالحياة والفنِّ».
من هنا نرى أن العمارة هي أداة للإبداع الإنساني عبر مرِّ العصور, وأيضاً نرى دور الفنِّ في إبداعها. أما دور الإنترنت فهو كـ «كسكين المطبخ» تستعمل للطهي والقتل في آنٍ واحد.. لنفكر قليلاً ونتساءل: هل دخل الكمبيوتر حياتنا وبيوتنا من أجل العلم والمعرفة أم استعملَ في غالبية بيوتنا كأداة للتسلية وهدرِ الوقت؟..
بعد الكمبيوتر جاء الانترنت ودخل من نفس الباب, وهنا أقول بصراحة: لننظر إلى مواقع الانترنت الأكثر شعبية, والأبواب أو كما تسمى الغرف, أليست أبواب مفاسد والإعلام هو من يروج لهذه الموقع التي يتم من خلالها إفساد حياة وعقول شبابنا.. لقد صدرنا للغرب تخلفنا العلمي واستقبلنا منهم مفاسدهم الاجتماعية, ولننظر إلى الأدب والفن الهابط الذي يصدر لنا على أنه حداثة أو ما فوق الحداثة, وهي صناعة فكر سلبي ليس إلا.. لننظر إلى أعمال الفنانين والكتاب والأدباء ماذا أبدعت أناملهم وماذا كان نتاجهم الذي هو مرآة للواقع؟..
الفن والأدب لا يؤثرا في النفوس, إن لم يكن يحمل مصداقية تعكس مضمون الحياة والفكر الإنساني, ونجد بأن الكثيرين من الكتَّاب الذي كتبوا عن حياة الشعوب, لم يكتبوا بما يكفي من الأمانة والمصداقية. إذاً, من هم أبناء هذه الثقافة الفكرية والانتماء الجغرافي؟.. من وجهة نظري أن الآداب والفنون والتكنولوجيا إن لم ترتق في صناعة الإنسان وتنمية وعيه وفكره وذائقته الفنية والأدبية والجمالية, تكون خالية من المصداقية.