في ذلك اليوم كان الصباح هادئا لا يعكر صفوه أي صوت.. وكنت أقول في نفسي (الله يجيرنا من هذا الصمت..) إلى أن غادرت مكان العمل ولم تمض دقائق حتى دوى انفجار قوي يصم الأذن... وكان مكان الانفجار قريبا مني... ولم تلبث ثوانٍ أتى بعدها الثاني ثم الثالث... وقد غطت سحب دخانية سوداء المكان وتطايرت قطع من الزجاج والشظايا.. ونسوة تركض وهي تبكي وتقول (حسبي الله ونعم الوكيل).. وإحداهن كانت تمسك بيد ابنتها الصغيرة وهي عائدة من مدرستها ووجه الطفلة تغطيه الدماء.. أما أصحاب المحال التجارية المنتشرة في الشارع فقد أخذوا يصيحون لبعضهم لإسعاف الجرحى والإصابات التي كانت في الشارع المقابل والذي كان يضم تجمعا للمدارس ومنها مدرسة ابتدائية وقد خسرت تلميذة من تلامذتها بنيران حقدهم فماتت شهيدة وقد كانت هناك إصابات عديدة واشتعلت عدة سيارات في ذات المكان....
مشيت في شارع جانبي بعيدا عن المكان وقد ساد هدوء المكان مرة أخرى إلا من أصوات سيارات الإسعاف والإطفاء التي هرعت إلى المكان بعد لحظات من الانفجار تقوم بإسعاف الجرحى والمصابين.. وقد حصلت أضرار مادية كبيرة...
لحظات عشتها كانت صعبة من هول الصدمة التي شعرت فيها في تلك اللحظات القليلة التي لم تتعدَ الدقائق..
ولم يتوقف تساقط القذائف على دمشق فقد استمرت إلى الأمس حيث اغتالت قذائف كرههم طلاب كلية العمارة في جامعة دمشق حيث تناثرت الجثث وغطت الدماء المكان... وكان الجميع بلا استثناء يتسابق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الطلاب وبالتزامن مع سيارات الإسعاف التي هرعت إلى المكان لإسعاف الجرحى والمصابين .. الجميع مستهدف من هؤلاء القتلة فمن المدارس إلى الجامعات كان حقدهم يحصد أرواح الأبرياء وكل ظنهم أنهم سيقتلون روح الفكر والعلم في أبنائنا حيث إن نيرانهم لا تميز بين كبير وصغير وبين متعلم وأمي .. هو حقدهم الذي مازال يفتك بالبشر والحجر... ومع كل هذا الإجرام فالشام ستظل صامدة وصابرة وستظل حاضنة لكل طالب علم ومعرفة رغم جنون قذائفهم ونيرانهم الحاقدة التي لم تترك بقعة من بقاع سورية إلا وحرقتها....
هذه هي الشام وهؤلاء هم أهلها يقفون إلى جانب يعضهم في الملمات والمصاعب... ولن يثني عزيمتهم على الوقوف في وجه حقدهم الأسود مهما كان العائق... الشام هي الحضارة ... هي التاريخ... هي الإنسانية... الشام ستظل دائما أبية.. عزيزة وكريمة... ولن تذل ابدأ طالما هناك أهل لها يحبونها ويخافون عليها فيحمونها برموش عيونهم ويشكلون داعماً رئيسياً ومسانداً لجيشهم البطل ....الجيش العربي السوري...
صرخة ...
صرخة نطلقها في وجه الذين يفتون بالقتل.. إلى الذين يحتضنون الإرهاب... إلى كل من غطت عيونهم غشاوة الحقد الأعمى أن .... لا تفرطوا في بلدكم سورية.. واتركوا السلاح وعودوا إلى أحضان هذا الوطن الذي رباكم على التضحية والفداء في سبيله وليس على نحره وقتله ... دعوا الحقد وعودوا إلى إنسانيتكم... إلى الإسلام الحق.. إلى محبة بلدكم... واجعلوا من محبتكم سوارا يحيط بدمشق لتبقى دمشق بلد الياسمين دائما....
أفيقوا... قبل أن تخسروا وجودكم وبلدكم وكونوا لها ذلك الحصن الحصين التي اعتادت أن تراكم فيه في كل مراحل عمرها المليء بالنضال والكفاح تذودون عن أمنها وسلامها بكل غال ورخيص... ولا تكونوا مع أعدائها تشاركون في قتلها وذبحها.... فذلك الذي تسمونه جهادا فإنما هو كفر ولا يمت إلى الجهاد بصلة .. فكفى قتلا وتخريبا وسفكا لدماء السوريين واتبعوا طريق الصواب والحقيقة..... ولتكن بوصلتكم سورية التي بواسطتها لم ولن تضلوا الطريق أبدا.....