من أجل إطالة أمدها سعياً منها لتدمير الدولة السورية واقتصادها وإضعاف جيشها وتشريد شعبها لتوفر كل عوامل الأمان والاستقرار لربيبتها إسرائيل , ولم تعد هذه الحقيقة معروفة لدى معارضي السياسات الأميركية في العالم فقط بل باتت راسخة لدى قطاع واسع من الباحثين والدارسين الأميركيين حتى باتت مراكز البحوث الأميركية تعي جيداً توجهات الإدارة الأميركية وسياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً وسورية خصوصاً ، فنراها تنشر تقاريرها التي تتحدث عن عصي واشنطن التي وضعتها في عجلات الحل السلمي للأزمة في سورية .
ومثل هذا الكلام ليس مصدره اتهام الولايات المتحدة بما ليس فيها بل هو حقيقة بدأ الباحثون الأميركيون يتناولونها يومياً ويعرون في أبحاثهم ودراساتهم ومقالاتهم خطط إدارة أوباما ويصفونها بمناورات حرب وليس هذا فحسب بل حرب فاشلة بالوكالة وبأدوات عاجزة على الأرض مقابل مكاسب عسكرية جوهرية بدأت الدولة السورية تكسبها على الأرض نتيجة صمود شعبها وجيشها من ناحية وفشل السياسة الأميركية من ناحية أخرى .
ولعل آخر ما يتطابق مع وجهة النظر هذه ما قاله شاموس كوك الكاتب الأميركي في مجلة كاونتر بانتش في مقالته التي حملت عنوان «من الصعب الحديث عن السلام في سورية بينما لاتزال واشنطن تقوم بمناورات للحرب». حيث يتساءل كوك عن عدم وجود محادثات سلام جدية لإنهاء الحرب في سورية بعد أن أصابت منطقة الشرق الأوسط كلها بالضرر، وعن عدم وجود أي نقاشات علنية بين أميركا وحلفائها الإقليميين بشأن خطة سلام قابلة للتطبيق .
ولم يتوقف الكاتب عند توصيف الحالة بل تحدث عن ما سماه مناورات حرب تقوم بها واشنطن من خلال تقديم الدعم لـلمتمردين بحسب تعبيره بنصف مليار دولار لتسليحهم وتدريبهم، والتوسط لدى السعودية لإقامة معسكرات تدريبية جديدة لهم على أراضيها إضافة للمعسكرات الموجودة في الأردن سابقاً، فضلاً عن استخدام أوباما لنفوذه في الشرق الأوسط للدفع باتجاه الحرب وكذلك استغلال محادثات جنيف للسعي لتحقيق المصالح الأميركية مستبعداً إيران عن المحادثات عمداً ومحاولاً تقوية ما يسمى بالمعارضين المعتدلين الضعيفين على الأرض ولعب دور سلبي ، إذ إن أوباما يلتزم بتقوية هؤلاء المعارضين عبر زيادة سعار الحرب معتمداً على منطق أن زيادة التدريب والتسليح لهؤلاء سيجعلهم في نهاية الأمر قادرين على كسب ما يكفي من الأرض وفرض شروطهم وبالمقابل يقوم أوباما بدعم الإرهابيين المتطرفين باسم ذريعة الاعتدال ذاتها ويزعم في العلن بأنه يحاربهم .
وفوق هذا وذاك فإن الفجوة الهائلة في الترويج للسلام فتحت فرصاً أمام روسيا لتكون دولة قائدة في دبلوماسية الشرق الأوسط لحمايته من حرب التطرف الإسلامي التي ينتهجها الصراع في سورية وهو ما يتطابق مع ما ذكره موقع «مينت برس» بأن موسكو وهي تحضر لأفكار جديدة لحل الأزمة فإنها تبذل جهودها كي يلتزم الجميع بمبادئ القانون الدولي والقرارات الأممية والابتعاد عن تأجيج الأزمة من خلال دعم المتطرفين وتزويدهم بكل أنواع الأسلحة .
وحول مستقبل المخططات الأميركية يتوقع الكاتب أن يفعل أوباما أقصى ما يستطيع لإفساد السلام لأن متمرديه على الأرض في سورية عاجزون، ولأن حلاً حقيقياً تقوده روسيا قد يكشف هذه الحقيقة ما سيترك القليل من النفوذ لإدارة أوباما في المستقبل مضيفاً أن مثل هذا الأمر سيبدد التمدد الأميركي لأن المسلحين الذين تدعمهم واشنطن ضعفاء فيما الحكومة السورية حققت مكاسب عسكرية جوهرية في مختلف المحافظات السورية.
وليس هذا فحسب بل بعيداً عن ضعف أوباما على الأرض فهناك أسباب جيوبوليتيكية واسعة تدفعه لرفض حل تقوده روسيا ، وهذه الأسباب تتمثل في أن إدارته قامت مؤخراً باستثمار طويل الأمد في الحرب من خلال نصف المليار دولار ومعسكرات التدريب في السعودية، مبتعداً عن أي مصالحة هادفة مع إيران، وجاهداً لتعزيز تحالفاته مع دول منبوذة كالسعودية وإسرائيل، وكلاهما تطالبان بتدمير سورية، بالإضافة إلى تركيا، وإلا تخلى حلفاؤه عنه نظراً لإنفاقهم مبالغ هائلة من المال والسلاح والوسائل السياسية لطمأنة حكوماتهم والشركات المحلية بأنها ستستفيد من تدمير سورية وهو أساس المأزق الجيوبولتيكي التام في الشرق الأوسط، وخصوصاً أن الشركات العملاقة في الولايات المتحدة تضغط لاستمرار الحرب في سورية .
باختصار إن اوباما وحلفاءه الإقليميين عاجزون بشكل كامل عن إنتاج أي مقترح سلام واقعي وهم منهمكون جداً في الحرب، ومع ذلك فإن لدى أوباما برأي الكاتب فرصة للاعتراف بنتائج الحرب بالوكالة الفاشلة والقبول بالسلام وإلا فإن هذه الحرب ستزيد من القتل، وإيقافها في سورية سهل وذلك عبر الاعتراف بالواقع وصياغة حل يعكس هذا الواقع لكن يبدو أن إدارة أوباما لا تزال ترفض الإصغاء حتى للأصوات الأميركية التي تنير لها طريق الصواب .