تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هكذا تصدعت ثقة الإسرائيليين بجيشهم

شؤون سياسية
الخميس 10-9-2009م
د. صياح عزام

خلال شهر أب الماضي احتدم السجال داخل «إسرائيل» حول عدة قضايا أدت إلى تجميد وتسريح وإقالة عدد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بسبب قضايا فساد، ومخالفة تعليمات وإهمال في قضايا الجاهزية وغير ذلك.

وبات من المؤكد أن قيادة الجيش الإسرائيلي الذي نفذ أكبر عمليات السلب والسطو والعدوان في التاريخ بطرد شعب آمن من أرضه والاستيلاء عليها يحاول تبرير ذلك بمبررات أخلاقية مصطنعة، ويؤكد طوال السنين على أنه لم يمارس عمليات التطيهر العرقي والطرد الجماعي، وأن الفلسطينيين تركوا الأرض بملء إرادتهم لتهيئة الظروف المناسبة للجيوش العربية في القضاء على الدولة اليهودية في الأيام الأولى لقيامها عام /1948/.‏

إضافة إلى ذلك طور الجيش الإسرائيلي علىمدى الأيام أسطورة «طهارة السلاح» التي شددت على أن الجيش الإسرائيلي كان يعمل باستمرار أثناء تنفيذ مهامه على التقيد بالأخلاقية أكثر من أي جيش آخر رغم كل المذابح التي ارتكبها ويرتكبها بحق الشعب الفلسطيني ورغم الحصار الشديد الذي يفرضه على قطاع غزة والذي يوصف بأنه حصار مميت بسبب تجويع سكان غزة وحرمانهم من الدواء والسفر إلى الخارج لمعالجة الأمراض المستعصية.‏

ومن البديهي أن أسطورة « الجيش الذي لايقهر» التي تحطمت طبعاً منذ حرب تشرين المجيدة عام 1973 ومن بعدها في الجنوب اللبناني وفي الحرب على غزة مؤخراً كانت تحتاج إلى أساطير أخرى مساندة لها لتعزز مكانة وسمعة هذا الجيش لدى أنصار ومحبي إسرائيل والمعجبين بها في الخارج ولتساهم في زيادة التلاحم في المجتمع الإسرائيلي وصهر فئات اليهود القادمين من شتى أصقاع الأرض في بوتقة واحدة.‏

وهكذا أصبح الجيش الإسرائيلي لايشكل قاطرة تطور المجتمع والاقتصاد في «إسرائيل« فقط، بل تحول إلى مركز الفعل والتحدي، وغدت قطعاته في سباق مع الزمن لتطوير قدرات وأساطير خاصة بها لاجتذاب الشباب اليهودي إلى صفوفها.‏

والجدير بالذكر أن حالة الاجتذاب والاستقطاب هذه بلغت ذروتها في أعقاب حرب حزيران عام 1967 عندما تحولت الأسطورة إلى واقع على الأرض وغدا الجيش الإسرائيلي وضباطه عنواناً لكل صواب، وشارة كل قدرة وموضع كل تقدير عند الصهاينة.‏

وكما أشرنا تحطمت هذه الصورة في حرب تشرين وتحطمت لاحقاً عند الاندحار من الجنوب اللبناني عام /2000/ أمام ضربات مقاتلي حزب الله الأبطال، ومرة ثالثة بعد الهزيمة المرة التي لحقت بهذا الجيش في حربه على لبنان صيف العام /2006/.‏

إن عوامل تصدع الثقة بالجيش الإسرائيلي أدت إلى تحول اهتمامات الشباب الإسرائيلي عنه إلى مجالات أخرى، وبدلاً من شعار «المتفوقون للطيران والجميلات للطيارين» نشأ شعار «المتفوقون للتكنولوجيا» وشعار «المتفوقون لإدارة الأعمال» و«الجميلات للأغنياء» وتراجعت مكانة الجيش الإسرائيلي بأشكال مختلفة في الداخل حيث أصبح يتعرض للنقد العام كما يخضع إلى محاسبة سنوية قبل إقرار حصته من الميزانية العامة للدولة.‏

هذا ولم تقتصر المحاسبة على وزارة المالية التي كانت النقاشات حولها تتم غالباً بشكل سري وفي الغرف المغلقة، بل تجاوزت ذلك لتظهر على صفحات الجرائد وفي تقارير وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، وعلى سبيل المثال تناول النقد مسألة الامتيازات التي يحظى بها ضباط الجيش أثناء الخدمة وحتى بعد التقاعد.‏

وهكذا يمكن القول: إنه ليس صدفة بعد أن تراجعت الثقة بالجيش إلى حد كبير جراء نتائج الحرب على لبنان صيف العام /2006/ بعد أن صار الإسرائيليون أقل تسامحاً تجاه تجاوزات الجيش الإسرائيلي أفراداً وقادة كباراً وبالطبع في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي طالت «إسرائيل« أسوة بغيرها سيتسع نطاق عدم التسامح هذا، إزاء التجاوزات الاستهلاكية من الميزانية العامة للبلاد.‏

لهذا السبب تحاول قيادة الجيش الإسرائيلي الحالية بناء أسطورة جديدة تقوم على أن الجيش يتشدد في المحافظة على الأموال العامة للدولة، وأنه لا أساس بتاتاً للاتهامات الموجهة إلى قادته بأنهم مترفون على حساب الجمهور وبشكل غير مبرر.‏

إن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وأعضاء قيادته وأركانه العليا يفتشون عن إنجازات قيمة أمام الجمهور الإسرائيلي لأسباب مفهومة ومعروفة ولأسباب أخرى قد تبقى غامضة وهم على استعداد للتعرض لاتهامات من جانب البعض بأنهم يتخلون عن ضباط متفوقين فقط لأنهم كذبوا على قادتهم ، ومن المنطقي فهم وإدراك بعض هذه الاتهامات التي تستند إلى واقع أن الكذب في الجيش الإسرائيلي بات سياسة معلنة في كل مايتعلق بتعاطي الجنود والضباط مع الفلسطينيين والعرب، وقد علق صحفي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية يدعى «جدعون ليفي» على ذلك عندما أشار إلى التناقض الحاد بين تحريم الكذب في الهوامش وتبرير الإقدام عليه في المواقف.‏

وانطلاق ذلك من واقع إسرائيل الحالي كما أشار معلقون إسرائيليون آخرون قبله إلى أن الكذب في الجيش الإسرائيلي كان واسع النطاق سواء فيما يتعلق بالعرب أم حتى بالشأن الداخلي عندما كانت الجنرالات أقرب إلى القديسين في نظر الجمهور.‏

ومن الجائز أن الجيش الإسرائيلي هو أحوج اليوم من أي وقت مضى للحديث عن القيم وطهارة السلاح بعدما تجاوزت جرائمه في الحرب على لبنان صيف العام /2006/ والحرب على غزة في نهاية عام /2008/ وأوائل العام /2009/ كل حدود وكل منطق حربي وتقليد قتالي..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية