|
عتاب حريب: سبحت مع حلمي ثقافة فقدتهما تباعاً الأم والحفيدة، الأولى غرقت بحزنها وتعب جسدها الذي انهكته الحياة، وماري الصغيرة التي سبحت مع حلمها بالطوفان على سطح الماء، فخنقتها أحلامها ونخر خشب الزوارق المهترئة، كان لنا معها هذا الحوار. ماسبب اختيارك للون المائي وماعلاقته بالمرأة؟ اخترت المائي بعد تجارب عديدة مع ألوان الزيت والخزف ووجدته الأقرب إلى تلبية مشاعري وانفعالاتي، فالماء هو الحياة ويستعمل للتطهير والغسل والرسم باللون المائي هو لتنقية الروح وإضفاء جو من الصفاء عليها وبالتالي المرأة هي العلاقة الجدلية الوجودية للحياة ولصراعات النفس والروح و لديمومتها وخلقها وولادتها من جديد بعد فنائها. فالماء الملون هو الأبهى والأجمل على المساحات البيضاء للوحة. هناك من يقول : إن اللون المائي هو لون الضربة الواحدة ماذا تقولين؟ هذا صحيح، فاللون المائي شفاف لايحمل التجريب ولا الكذب، ولا المغالاة فهو الفيصل، اللغة البصرية البسيطة وهو السهل الممتنع، الصعب الممتنع، الألق والعفوية والطفولة. هل من خطوات مسبقة في بناء وتكوين العمل الفني؟ لايوجد خطوات محددة، فقط اللاوعي هو الذي يقودني من خلال مشاعري وأحاسيسي ومخزوني الثقافي والطفولي المكتنز بصور وأمكنة وقصص وحكايا وألوان وأسئلة وأجوبة تتفاعل لتدفع بريشتي للبدء بسكب مشاعري وعواطفي على المساحة البيضاء بحبور قوي للتلوين والتعبير الانفعالي، فالرغبة هي الدافع الأساس للشروع ببدء العمل والوصول إلى نتيجة مرضية للمتلقي وللفنان. كيف تقيمين دور المرأة السورية في حياتنا التشكيلية؟ ظهرت تجارب نسائية خجولة ومعظم الفنانات كن من الطبقة الارستقراطية التي تعتبر الفن عبارة عن ترف في الحياة، لكن الفنانات اللاتي تفرغن للفن قليلات في العالم، فكيف في بلادنا العربية وهي المربية والمعيلة للأسرة، ما زال حضورها خجولاً ليس في بلادنا فقط بل في العالم، وعلى مدى التاريخ قلائل الفنانات اللاتي لمعن، من الرئدات في الفن التشكيلي الفنانة إقبال قارصلي التي توفيت بسبب تسممها بألوانها لأنها كانت ترسم بأصابعها، والفنانة بهية نوري التي أكملت مسيرتها مع الفنان نصير شورى وابتعدت عن الرسم من أجل إقامة المعارض ومشاركة الفنانين ابداعاتهم، والآن عادت لتبدأ مرحلة جديدة، وأخيراً جاءت كثيرات من أعمار متفاوتة رغم ذلك تجاربهن خجولة تنتهي بالزواج أو بالسفر أو البعض منهن يريد أن يسلط عليه الضوء وبعدها يخمد ويطفأ. هل أعمالك امتداد لأعمال النساء في الأزمنة السابقة على الأقمشة؟ الفن نرثه من خلال الموروث البصري والحكائي والمخزون الثقافي، فنحن عشنا في بيئة غنية بالتراث والفنون والألوان والشمس وأنا محظوظة بهذه البيئة بدير الزور حيث تنقل والدي في محافظات سورية، فأول ضوء انطبع في عيوني ضوء الشمس في وادي الفرات وأول صوت هو هدير نهر الفرات ومن ثم الجبل والبحر والسهول المتنوعة في سورية. بتنوع الصور والضوء وثياب النساء الملونة بألوان الطبيعة وألوانها المرسومة على وسادتي وثياب أمي المطرزة والمتقنة اتقان الأرض التي انحدرت منهم وحافظت على مزاياهم في الموهبة الفنية، والجمال والحكمة والحزن البعيد، أمي التي رحلت اليوم كان موعدي معك لأنه موعد رحيل أمي ماري التي تعبت وانهكها حزنها ومرضها وغياب ماري الصغيرة التي غرقت بمياه زرزر لحقت بها لتؤنس وحدتها في السماء فلم تعد تحتمل العيش والتنفس والحفيدة ماري مخنوقة بمياه البحيرة ، هذه الحادثة جعلتني أرسم وألون وأملأ النهر والبحر بزوارق وسفن لعلها زوارق نجاة أو سفينة نوح تنقذنا من الغرق في هذا العالم القاسي والجميل.
|