فقد كان والده رجل علم ودين، عمل مصححاً لغوياً بالمطبعة الأميرية، ومدرساً في رواق الأزهر الشريف ومسجد الإمام الشافعي، وفي الوقت نفسه كان مولعاً باقتناء الكتب التراثية والأدبية والتاريخية ونفائس المخطوطات.
كان البيت هو المدرسة الأولى في حياة أحمد أمين، إذ بعد أن حفظ معظم سور القرآن الكريم في الكتّاب على عادة أبناء عصره، انتقل إلى مدرسة (أم عباس) الحكومية، حيث تخطى السنوات الدراسية بنجاح وتفوق، ما رشحه للالتحاق بجامعة الأزهر، وبعد انتهائه من دراسته الجامعية، زاول مهنة التدريس في المدارس الابتدائية مدة من الزمن، ليلتحق بعدها بمدرسة القضاء الشرعي عام /1907/ التي تأسست من أجل تخريج قضاة شرعيين على نمط عصري، وكانت مدة الدراسة أربع سنوات، وبعد تخرجه عمل في القضاء الشرعي.
ومن طريف ما يروى عن تجربته القضائية حكاية تتعلق بمشروع زواجه، فأحمد أمين كان يفتش بلهفة عن زوجة، مستعيناً بخاطبة قادته إلى أسرة مستورة الحال رضيت به، وأحبت أن تراه عن كثب، فذهب على جناح السرعة إلى بيت أهل الفتاة، محاولاً تمويه منظره الخارجي، فتأبط مسرحية لشكسبير باللغة الانكليزية، وعمد أن يحشر حديثه بعض الكلمات الأجنبية، الأمر الذي أبهج أهل البيت، فخرج وطيور السعادة ترفرف حوله، متوهماً أنه نجح في إعطاء انطباع ايجابي عنه، لكنه فوجئ بالخاطبة تقول له: إن الفتاة قد أطلت من النافذة فشاهدته شيخاً بعمامة وعباءة (الزي الأزهري التقليدي)، فصدمت من منظره ورفضت الزواج منه، ثم تزوجت هذه الفتاة، من شاب أنيق يعمل بوظيفة حكومية مرموقة، لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان، أن زوجها من المدمنين على الكحول الذي يوصله إلى حدّ الشراسة وسوء الخلق، ثم طلقها، ودارت الأيام ليجدها أمامه في قاعة المحكمة، طالبة النفقة الشهرية من طليقها.
وبعد أربع سنوات قضاها في سلك القضاء، استدعاه الدكتور طه حسين عام/1926/ للعمل في كلية الآداب، فبدأ بذلك صفحة جديدة من الأعمال العلمية والمشاريع الثقافية المبتكرة، التي أفادت في الحراك الثقافي بمصر.
ظل أحمد أمين أستاذاً بالجامعة المصرية،يعلّم الأجيال الواعدة المتعطشة إلى المعرفة، مفتخراً بأنه أول من درّس النقد الأدبي باللغة العربية في رحابها، حتى اختير عميداً لكلية الآداب عام /1939/، فكان رابع العمداء.
من أهم مؤلفاته: (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام) و(ظهر الإسلام)، وهي من أعظم المؤلفات العلمية المنهجية في تناول الحياة العقلية العربية، وعرضها دون إسهاب في أسلوب علمي دقيق، استحق عليه الثناء والخلود معاً. بقي أن نذكر أن الراحل أحمد أمين هو الذي ابتكر (الجامعة الشعبية)، أي الانتقال بالثقافة من المدينة إلى الريف، عن طريق تقديم المسرحيات، والمحاضرات، والندوات، والأفلام السينمائية ،وفكرة ( الجامعة الشعبية) تحولت إلى ما يعرف بالمراكز الثقافية في أيامنا هذه.