تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حياة أمير البزق في كتاب جديد

ثقافة
الجمعة 11-9-2009م
يمن سليمان عباس

أبدع أمير البزق محمد عبد الكريم عبر مسيرته الكثير الكثير ولم تثنه المصاعب والمتاعب التي ألمت به عن إبداعه بل حول كل ما أحاط به إلى عوامل تحفيز.

واليوم يصدر كتاب جديد تحت عنوان «حول فراش الأمير» من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب تأليف علي حسني نجار قدم للكتاب صميم الشريف.‏

يروي علي حسني نجار في هذا الكتاب محطات من رحلة عطاء الأمير ويتوقف عند مرضه الأخير وكيف رافقه في رحلة علاجه.‏

الولادة والنشأة:‏

ولد عبد الكريم المرعي (محمد) في حمص عام 1911 في حي الخضر أحد الأحياء القديمة والده اسمه علي المرعي وقد ولد في بيئة فنية كما يقول المؤلف ويفتح الطفل عبد الكريم عيونه على الدنيا وهو يسمع أنغاماً ويرى آلات البزق في أيدي أبيه وأخويه اللذين يكبرانه (سليم ومحمد) وأخواله.‏

وكم كانت سعادته عظيمة عندما ثبت مسمارين على قطعة خشب وشد وتراً وراح يعزف على آلته البدائية التي صنعها بنفسه ويومئذ سمعه (الأب الفنان) فجاء إليه وظن أنه سيؤنبه، لكن الأب تفحص قطعة الخشب وابتسم وجلس إلى جانب الطفل عبد الكريم ووضع العود في حجره كانت حركة ودودة من علي المرعي فهمها الطفل عبد الكريم على صغره وسرعان ما حمل العود وراح يدندن عليه وما إن انتهى حتى عانقه وقبله.‏

وكانت السنوات الخمس الأولى من حياته قد منحت الطفل عبد الكريم كبراً في جميع حواسه وضنت على أعضائه وآهة مكبوته تكاد تشعل النار في صدر الوالد الفنان وهو يرى طفله منزوياً عن أترابه وسخريتهم من مشروع القزم فيتابعه بود ملحوظ وهو يتعلم أصول العزف وعلى فهم نغمات الموسيقا فيدعو الأب ربه أن تتمثل المقولة «وكل ذي عاهة جبار».‏

بداية الطريق:‏

أرسل عبد الكريم إلى الكتاب ثم إلى المدرسة وعندما بلغ السابعة حاول بعض معارفه إدخاله إلى الكلية الانجيلية في حي باب السباع فمكث فيها فترة قصيرة ولكن كان البزق في أول عهد عبد الكريم به مؤلفاً من وتر واحد أو وترين مع 17 حبسة (ديستان) والديستان هو الحبسة الصوتية على زند البزق وقد شكا الطفل الموهوب لأبيه وإخوته من قصوره في أداء بعض النغمات وبدت عبقرية عبد الكريم تتجلى منذ صغره ما حمل الأسرة على ضمه إلى الفرقة الصغيرة التي كانت تحيي الأفراح والليالي الملاح في حمص، فصار يطلب للعزف منفرداً وكان يغني وصوته كان أقرب الشبه إلى صوت أم كلثوم بل كان يؤدي بعض أغانيها بإتقان وإحساس.‏

وبدأت استقلالية عبد الكريم في هذه السن المبكرة وكان له رفيق واحد ملازم له -آلة البزق- وراح عبد الكريم يعزف إلى الجمهور في أماكن كثيرة العامة منها والخاصة هذا الجمهور الذي استهواه عزف الطفل ابن السابعة ودلالة كبيرة وواضحة على رغبة في الاستقلال والاعتماد على الذات والسير في طريق الفن بخطا مختلفة عن الخطا التي سارت عليها أسرته الفنية.‏

عبد الكريم ابن السابعة لم يستسغ العزف التقليدي الذي يتكرر وهذا العزف هو التقاسيم التقليدية التي تترجم المغناة وهي الطريقة التي درج عليها في القديم كبار العازفين، ولكن عبد الكريم نهج غير هذا الأسلوب التقليدي ولذا كان هائماً يتخبط لا يدري ماذا يريد ولا يعجبه ما يقوم به حتى وصل إلى ملكته العظيمة وموهبته الدافقة، وصل إلى التأليف الذي يخرج عن المألوف وأخذ في خطه هذا خط البناء والتأليف الموسيقي، فقد اعتمد في العزف على التأملات والوجدانية فأتى فيما بعد رومانسياً هائماً في أفق الفنان الواسع المملوء موهبة وعبقرية.‏

الأمارة:‏

كان يطمح لأن يكون أميراً من نفسه وعلى نفسه والفن أكبر من تسمية ولقب أمير لم يزده شيئاً ولقد قبل هذه التسمية لأنها جاءته هدية من الملك فيصل الأول بكتاب ملكي وضع عليه الخاتم الملكي بعد أن عزف في حفلة بباريس في الكونسرفتوار وكان الملك يحضر هذا الحفل وكيف ما كان، فقد كان محمد عبد الكريم (أمير البزق) لا يعتقد أن له خلفاً يصل إلى مستواه أو يبزه إذا أمكن، فأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما الذي ظهروا ظلوا فرادى لم يخلفهما أحد.‏

مواقف وطرائف:‏

يروي المؤلف الكثير من المواقف الطريفة في حياة أمير البزق نقتطف منها ثلاثة مواقف:‏

يقول في مطلع الخمسينيات رفع الأمير رأسه عالياً ليتمكن من محادثة رجال الشرطة العسكرية الذي يطرقون داره، ماذا يريدون؟ ويجيب أحدهم نريدك أنت، الزعيم حسني الزعيم يود رؤيتك حالاً وامتثل الأمير للأمر صاغراً وعندما وقف أمام الزعيم قال له: كل هؤلاء الرجال الطوال ترسلهم لجلب قصير مثلي، ماذا تريد مني؟ ويبدي المسؤول عن البلد رغبته في سماع عزف الأمير فيقول له: وإذا لم أرغب في هذا؟ فيجيبه الزعيم تعود إلى بيتك عندها قال الأمير: إذاً دعهم يعودوا بي مثلما جاؤوا.‏

أما الموقف الثاني فيتلخص بقول المؤلف:‏

وقف مرة مدهوشاً وهو يراقب فتاة قادمة نحوه ولم يسعه أمام جمالها الفتّان سوى الوقوف مدهوشاً وانتقلت عدوى الدهشة إلى الفتاة نفسها وهي تشاهد رجلاً قصيراً ففطن الأمير لمعنى وقوفها ودهشتها وهي ترمقه بنظرات فصاح بها: ماذا؟ مالك تنظرين إليّ هكذا من فوق لتحت فبادرته الفتاة قائلة:‏

وهل أنت تملك فوقاً حتى انظر إليك، أنت كلك تحت.‏

أما الموقف الثالث وكان بحضور المؤلف كما يقول:‏

ذات ليلة وكنت رفيق سهرة للفنان المرحوم محمد عبد الكريم (أمير البزق) يحدثني واستمع إليه فجأة تناهى إلى سمعنا صوت نهيق لحمار ولاحظت اهتماماً من الأمير الفنان وصمت صاغياً واحترمت صمته بل انتابني صمت كالعدوى إلى أن انتهى الحمار من نهيقه عندها رفع الموسيقار الكبير رأسه وقال معلقاً: (لقد كانت القفلة نشازاً).‏

خلاصة القول: الكتاب رحلة طريفة وممتعة في عالم أمير البزق ويكشف عن محطات كثيرة في حياته لا نعرفها ولا سيما ما عاناه في مرضه وتخلي الأصدقاء عنه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية