تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


..و نعيش في «دولة» بوليسية بعيدة عن الديمقراطية

هآرتس
ترجمة
الأثنين 2-7-2012
ترجمة: ليندا سكوتي

لو كانت الناشطة دافني ليف تحب السخرية لما تورعت عن إهداء باقة من الزهور إلى كل ضابط من ضباط الشرطة في تل أبيب تعبيراً لهم عن شكرها وتقديرها إزاء ما ألحقوه بها من أذى في يوم الجمعة الأمر الذي مكن من عودتها إلى ذاكرة الجماهير

لتأخذ صفة المرأة الشجاعة المضحية وتصبح بفضل تصرفاتهم المشينة محاكية لأونغ سان سوكيي -زعيم المعارضة في بورما- لكن المشكلة هي أن ليف تتسم بالجدية وتنأى بنفسها عن التصرفات الساخرة. لكن ما حدث في ذلك اليوم، عندما أصيبت بكسر في ذراعها جراء اعتداء رجال الشرطة عليها بالضرب أثناء اعتقالها، يشير إلى أننا أصبحنا نعيش في دولة بوليسية بعيدة عن الديمقراطية.‏

إن الصور التي التقطت يوم الجمعة تسلط الضوء على ما طرأ من تحول وتغيير على واقع الشرطة في السنوات الأخيرة. فالشرطة الإسرائيلية: ليست كما كانت عليه من قبل، إذ لم تعد تتصرف كقوات في دولة ديمقراطية حيث أن شيئا ما حصل لها منذ عرض فيلم في عام 1971 عن الشرطة أخذ به الممثل شايك أفير دور الشرطي أوزولاي، وكان في تلك الأيام يتردد على مدرستنا الماجور تاماري ليعلمنا كيفية عبور الشارع، وفي ذلك الحين كان الشعب يكن الاحترام والتقدير لرجال الشرطة أما الآن فقد تغيرت النظرة ليحل محلها الكراهية والاحتقار بعد مشاهدة ما يمارسونه من عنف، ولا يخفى على أحد بأن دولاً يصيب شعوبها الهلع لمجرد رؤية رجل يطرق بابهم أو يعبر أمامهم مرتدياً البزة الزرقاء. وهنا نتساءل هل ترغب الشرطة في إسرائيل الاقتداء بتلك الدول؟ لذلك نرى أن ما حدث في شارع روتشيلد قد أثار في نفوسنا الريبة والقلق عما يحصل في هذه البلاد.‏

ولا شك أنه على مدى سنوات عدة أصبح المجتمع الإسرائيلي أيضا أكثر عنفاً عما كان عليه في السابق، لكن أن تمارس الشرطة الشدة والقسوة ضده فهو أمر يثير حنقه وغضبه. وفي الوقت الراهن أصبح عنف الشرطة سياسيا، ولم تفلح كافة الجهود التي يبذلها مفوض الشرطة يوحنان دانينو، الذي يحظى بالإعجاب، ووزير الداخلية يتسحاق أهارونوفيتش، الرجل الذي لا يدعو للعنف رغم انتمائه إلى حزب إسرائيل بيتنا، في إخفاء الحقائق وليس ثمة جدوى من التعتيم عليها.‏

إذ عندما يقول هذان المسؤولان أن الشرطة ليست ضد حركة الاحتجاج الشعبي، فهما يضللان الشعب ولاسيما قد صدر قرار مشين يقضي بخضوع منظمي المظاهرات للاستجواب «بغية الإطلاع على مخططاتهم»، وإن اعتقال ليف وآخرون يثبت بالدليل القاطع أن شرطة إسرائيل تقف في وجه قيام الاحتجاجات.‏

ولكون الشرطة الإسرائيلية لا ترغب بقيام المظاهرات لذلك أصبح يطلق عليها اسم الشرطة السياسية ذلك لأنها اعتادت على ممارسة العنف لقمع أعمال الشغب في وادي صليب في حيفا في عام 1959، والمظاهرات التي جرت في بلاك بانثرس في السبعينيات والآن تستعد لمجابهة احتجاجات عام 2012.‏

ولا ريب بأن الشرطة تستخدم الكثير من وسائل العنف، لذلك ستعمد إلى الهجوم على خيام روتشيلد، علما أنه خلال الصيف الماضي وقف عدد من ضباط الشرطة إلى جانب مع المحتجين ولم تحطم نافذة واحدة من نوافذ المحلات التجارية في كيكر حمدينا، ولحسن أو لسوء الحظ أن حركة الاحتجاج الشعبي لم تكن عنيفة كما كانت عليه الحركة التي جرت في يوم الجمعة حيث لم يكن هناك إلا ثلة من المحتجين لكن الشرطة مع ذلك عمدت إلى مهاجمتهم بكل ما لديها من قوة إذ شهدنا في بعض المظاهرات الأخيرة أن أعداد الشرطة تجاوزت أعداد المتظاهرين الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن الأسباب الداعية لاستخدام طائرات الهوليكبتر ونشر مئات من عناصر الشرطة على الأسطح لمجابهة أولئك المواطنين؟‏

في الواقع، هذه هي إسرائيل، حيث تسود لغة العنف وتتجذر في الحمض النووي لقواتها. ولكن هذا ليس بالسبب الوحيد لانعدام التناسب بين أعداد المتظاهرين والعنف الممارس ضدهم إذ إن قوات الشرطة أيضا لديها دوافع سياسية، فما تهدف إليه حركة الاحتجاج هو خدمة مطلب سياسي يستند على إعادة تقويم الأجندة الاجتماعية، وبالتالي فإن محاولة إسكات المحتجين تعود لأسباب سياسية، لا علاقة لها بزعزعة الأمن العام ليصار إلى قمعها. فالاحتجاج السياسي السلمي المشروع أصبح يجابه بأعمال عنف سياسية غير مشروعة. ولا يسعنا إلا أن نقول: إن ما لدينا هو قوة شرطة سياسية تمارس الاعتقال السياسي.‏

آن الأوان لمنع تجاوزات وممارسات يرتكبها رجال الشرطة، وبإمكان أهارونوفيتش ودانينو فعل ذلك، على الرغم من أن الشرطي أوزلاي المخلص والمحبوب قد استبدل منذ وقت طويل بشرطي يمارس العنف، والماجور تامري الذي لا يُنسى مات منذ زمن بعيد لكن لا ريب بأنه ثمة قادة آخرون لديهم القدرة على إعادة المارد إلى القمقم، ولاسيما بعد أن تزايدت أعداد الشرطة الذين يخترقون القانون ويستخدمون العنف المبالغ به ضاربين بعرض الحائط أحكام القانون، الأمر الذي يستدعي بالضرورة تنحيتهم وإقصاءهم عن الشرطة. ويجب أن يعطى القادة الذين يرون في كل مظاهرة بمثابة حرب عليهم ويعتبرون كل متظاهر شخصاً مشبوهاً درساً في الديمقراطية. وعليهم أن يعلموا بأن ما يقومون به سيجعل الشعب يفقد ثقته بهم.‏

حان الوقت لإيقاظ حركة الاحتجاج من سباتها، وإن أصابها الوهن أو تخلت عن مطالبها بتحقيق العدالة الاجتماعية أو حدت من معركتها في شهري تموز وآب هذا الصيف، فإن ما جرى مؤخراً من اعتقالات وممارسة للعنف بحق المتظاهرين يعد سبباً كافيا للعودة إلى الشارع فوراً، والقول للشرطة إنكم تجاوزتم حدودكم.‏

وإن كسر ذراع ليف يشكل الدليل على أن الشرطة تسعى لكسر إرادتكم وثنيكم عن تحقيق ما تبتغونه لأنها في واقعها ليست إلا شرطة سياسية.‏

 بقلم: جدعون ليفي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية