كما تساهم بتعطيل مخططات التوسع الإسرائيلي الهيمنة الآحادية الأميركية على المنطقة ومواردها النفطية. وبالتالي كان الرد الغربي الصهيوني مسألة وقت وإن لم تتضح حينها طبيعة هذا الرد وحجمه.
وكان لهزيمة آلة الحرب الإسرائيلية ومعها تقنيات السلاح الأميركي في حرب 2006 في لبنان والتداعيات الخطيرة لأي مواجهة مباشرة مع سورية بما فيها احتمال تطورها لحرب إقليمية واسعة تهدد إنتاج ونقل النفط والغاز وانعكاسات ذلك على اقتصاد عالمي متداع، أثر كبير في تحديد أسلوب الحرب القادمة على سورية وبالشكل الذي نشهده اليوم. أي الحرب غير المباشرة من الداخل عبر الفتن وسمح البرنامج الصهيو غربي الذي تخلى دفعة واحدة عن حلفاء الأمس في رئاسة تونس وليبيا ومصر واليمن مع الفوضى الحاضنة للربيع العربي بنافذة العبور للساحة السورية. فأخرجت الصهيونية العالمية بخبث وأذى نفوذها المختبئ في حواشي الأنظمة والأحزاب الدينية ولم تتوان عن توظيف جميع أدواتها من دول مجاورة وعربية ومؤسسات وإعلام إضافة لرصيد متراكم من التحريض والهواجس الطائفية المستوردة قبلها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري في لبنان وما تلا من تحريض بواسطة الفضائيات اللبنانية لتخترق بسهامها السامة انسجام المجتمع السوري من الأرياف باتجاه المدن.
وبقي السؤال الرمادي: هل ترغب فعلاً الولايات الأميركية المتحدة على رأس الدول الغربية وهل تسمح روسيا بإلغاء الدولة السورية نظاماً وجيشاً ومؤسسات كما جرى في العراق وليبيا بما ينسف التوازن الاستراتيجي الذي كان يشير إليه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ويفتح بذلك المنطقة الممتدة من البحر الأسود شمالاً لبحر عمان جنوباً ومن شرق المتوسط غرباً لحدود الصين مع أفغانستان شرقاً على انهيارات وتشققات لا يمكن ترميمها أو إعادة تكوينها مع خروج الشيطان الإسرائيلي من القمم التي تقفله سورية والمقاومات؟
والجواب على هذا السؤال المصيري للمنطقة وشعوبها كان لوح مع بداية الأزمة في سورية وبدا أكثر وضوحاً بعد إعادة انتخاب باراك أوباما لدورة رئاسية جديدة في الولايات المتحدة الأميركية ومستفيداً من صمود الدولة السورية من رأس هرمها عبر مؤسساتها وأغلبية تجمعات شعبها بحصانة من قيم وطنية وجيش سوري عقائدي وعنيد. وهنا لايمكن الاختلاف حول هول المواجهة والتحدي الأمني والإعلامي والاقتصادي للدولة والنظام في سورية أمام تصميم غربي صهيوني مسبق وبشراسة إجرامية غير مسبوقة لتدمير إرث سلوكية ودور سورية التاريخي الإسلامي العربي وكان لمرور عامين على الحرب غير المعلنة وظف فيها أكثر من مئة ألف مسلح مرتزق من الخارج ومنحرف أو مضلل من الداخل وحوالي 15 مليار دولار إعلاماً وتسليحاً وشراء للذمم دون النجاح بإسقاط النظام أو تغيير التوازنات الميدانية سبباً فرض على الإدارة الأميركية المعروفة بالبراغماتية مراجعة موقفها لتغيير أهدافها من إسقاط النظام في سورية إلى استيعابه ومحاولة تغيير سلوكه مستقبلاً بتطعيمه بعناصر معارضة وتكييف بما يتناسب مع المصالح الاقتصادية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية خاصة والدول الغربية عامة.
وإلا لما الحاجة لوزارة الطاقة الأميركية أن تنشر دراستها في شهر آب من عام بداية الأزمة في سورية 2011 عن الأهمية الاستراتيجية لسورية كمعبر إجباري لأنابيب النفط والغاز من الخليج وكيف يمكن لشركة نفطية عالمية مثل توتال أن توقع عقود استكشاف وإنتاج مع الدولة السورية في شهر أيار من عام2011 غافلة عن الأزمة وتداعياتها. بالطبع لم يكن الطرفان غافلين عن مستقبل الأزمة والنظام، وفي هذا إشارة للبيب من المواطنين السوريين ليدركوا سلفاً انعدام المستقبل لمنطق المعارضة الاجتثالي وخاصة المسلحة منها في حسابات الغرب ومخططاته. فقد أدت دورها المرسوم بتدمير البنى التحتية وزرع الشقاق بين الأحياء والقرى وكعادتها تتخلى عنها بعد أن ورطتها والشهداء أرقام لا أكثر.
وفي هذا الإطار جاءت المؤشرات بتغير الاتجاه الأميركي بإعادة تشكيل مجلس المعارضين السوريين في الخارج مما سمي مجلساً وطنياً للائتلاف وضع معاذ الخطيب على رأسه مختصراً الرموز التي ملأت الفضائيات وعوداً ووعيداً دون أي طائل. وتبع ذلك توجيه نائب الرئيس الأميركي بايدن لمعاذ في اجتماع ميونخ أن يوسع مروحة معارضته لتشمل جميع المكونات وتشجيعه إياه على الحوار مع النظام والحل السلمي.
وبالتالي ما نشهده من حراك سياسي في الخارج والداخل إنما هو انقلاب الصورة بعينها مع تركيز الأضواء على خطر الجماعات التكفيرية المحلية والمستوردة ليس فقط على سورية بقدر ما هي بنظر الغرب خطراً قادماً عليها ولا بد من القضاء عليها حيث هي. وعليه فإن السؤال الأكثر إلحاحاً والموجه للسوريين الذين تاهوا في دعايات الإعلام المبرمج وضعفوا أمام إغراء المال أو استكبروا بوهم القوة والتسلط بالسلاح غير آبهين بما يقترفون بحق بلدهم وأعراضهم ومستقبل أبنائهم، ماذا حققتم لأنفسكم مما افتقدتموه قبل الأزمة المؤامرة على سورية؟ أهو الخبز والوقود الرخيص أم المدارس والمستشفيات المجانية أم الأمن والطمأنينة؟ الفرصة لم تفت أو تنتفي تماماً للمراجعة والتوبة برمي السلاح ونبذ العناصر والمفاهيم الدخيلة على المجتمع والدين فرحابة صدر الدولة ورئيسها في المسامحة والمصالحة على أساس الثوابت والأولويات الوطنية كما وردت في الخطاب الرئاسي الأخير كفيلة بوقف المؤامرة وإصلاح ذات البين في البيت السوري الواحد.