تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاغتراب.. بين الابتعاد عن الوطن وتحقيق الذات

شباب
2012/6/25
نيـفيـن أنور عيسـى

كثيرون هم الشباب من الجنسين يبتعدون عن وطنهم تاركين خلفهم أحبة وأصدقاء، منهم من يعيش على أمل العودة ،ومنهم من يترك ذلك لظروف الاغتراب والهدف الذي يهاجر لأجله، من هؤلاء يتغرّب طالباً

العمل لعدم توفر فرصة تناسبه، وبعضهم من تقتضي ظروفهم الأسرية ذلك، ولا يعودون لوطنهم، الأمر الذي يقتضي تأقلمهم في بيئة وحياة ومجتمع وعادات اجتماعية جديدة لم يعتادوها من قبل، آخرون يعيشون بقسوة وآلام الواقع الذي وإن فُرض عليهم لا يطاق وينتظرون بلهفة وشوق شديدين للعودة إلى ديار الوطن الغالي، مفضّلين العيش على ثراه .‏‏

"الثورة"رصدت مجموعة من آراء الشباب حول الاغتراب والمغتربين خارج سورية عبر موقع التواصل الاجتماعي، حيث تباينت الآراء وتفاوتت بين القبول بالواقع الجديد وتحمله وبين الرفض لقساوته ومرارته.‏‏

ربا حداد مغتربة في الأردن منذ ثلاث سنوات قالت: الغربة كربة وخصوصاً البعد عن الأهل وبالتحديد والدتي، ماجعل موضوع سفري أمراً في غاية الصعوبة، وعلى الرغم من أنني في بلد عربي لكن كل شيء مختلف وغريب فأسلوب الكلام والتعامل يختلف عن المكان الذي أنتمي إليه، حيث يتّصف الأردنيون بجدّيتهم، وفقدانهم القدرة على المرونة والمرح، مضيفة أن معظم الأمور في بدايتها صعبة لكن نحن البشر قادرون على التكيف والتأقلم في أي بيئة تفرض علينا، مهما كانت الأسباب والدوافع، لكن ذلك يحتاج إلى وقت فقط، و أنا في البداية شعرت بالوحدة في المنزل وزوجي يعود من العمل بوقت متأخر، أما بعد قدوم طفلتي أصبحت شغلي الشاغل وهمي فالمسؤولية كبيرة .‏‏

ضمياء العيد مغتربة في النرويج كان لها رأي مغاير حيث قالت إن الغربة لا تكون دائماً بمعنى الغربة، فكثير من الناس يعيشون داخل بلادهم كأنهم مغتربون لا أحد يطمئن عليهم ، مشيرة أن الحياة عبارة عن مغامرة وفرص وعلى الإنسان استغلالها، وهي لا مانع لديها من المجازفة والابتعاد عن وطنها و أهلها وأصدقائها، فالغربة علّمتها الصبر بالدرجة الأولى والاعتماد على نفسها بأمور كانت تجهلها وعلمّتها أشياء جديدة من ضمنها اللغة النرويجية، والتي أتقنتها بشكل جيد حتى تتمكن من تعليم أطفالها في المدارس، و هي مرتاحة جداً وكل شيء متوفر لها حيث تعيش في مكان يتواجد فيه تجمّع للعرب وهذا ماجعلها تشعر بأنها ليست غريبة بالبلد الذي تعيش فيه.‏‏

كريستين شلهوب مغتربة في الإمارات أوضحت : في البداية أحسست بألم وعذاب الفراق وبوحدة كبيرة وأنني منكسرة وضعيفة، كنت أبكي كثيراً وأفتقد الشعور بالأمان رغم وجود زوجي بجانبي، وكنت أقضي معظم وقتي على موقع التواصل الاجتماعي "facebook"أو الإيميل فوسائل الاتصالات تخفف من الغربة حتى أشعر بأنني مازلت قريبة من أهلي وأصدقائي، فأنا اجتماعية بطبعي من الدرجة الأولى لكن بسبب ظروف الحياة اضطررت للسفر والعيش بعيدة عن بلدي الذي أعشق ترابه.‏‏

وسيم عيسى مغترب للعمل في البحرين منذ عشر سنوات قال : إن عيش الإنسان بمفرده خارج وطنه لا يخلو من الصعوبات والمشكلات والمنغصات التي يجب على الإنسان تجاوزها والسعي لتحقيق الأفضل ونجاحٍ أكبر فالغربة تصقل الشخصية وتقوّيها وتعزز الثقة بالنفس وتنمي الذات ، وأضاف طموحي كبير في العمل وبالإمكان التعايش والتأقلم مع الظروف المحيطة، فالغربة قاسية لكنها تنمّي التجربة الحياتية وتجعل الإنسان أكثر قدرة على مواجهة الحياة ومتطلباتها، ففرصتي للعمل خارج البلاد لتحسين وضعي وتأمين حياتي مع زوجة المستقبل لأنني أفضل أن أصنع مستقبلي ولا أعتمد على الآخرين.‏‏

سلمى موسى مغتربة في أستراليا قالت : كنت أتواصل مع أهلي بشكل دائم لإحساسي بأني غريبة عن بلد ليس بلدي وأشعر بوحدة تغمرني، لكن تدريجياً يخف التواصل مع الأهل والأقارب وذلك لأن الإنسان يبدأ مرحلة جديدة من حياته ويحتاج لوقت، و مهما كانت الغربة مريحة وتوفر للشخص أفضل الظروف لكن لا بد للحنين للوطن حتى لو طالت فترة الاغتراب عشرات الأعوام.‏‏

زاهر العظم مغترب في السويد عبّرعن رأيه قائلاً: إن التأقلم بالمكان الجديد ليس بالأمر السهل لكن من الضروري الانسجام مع الواقع حتى لا يعيش الفرد بمرارة الغربة طوال وقت وجوده خارج بلده و يشعر بأن نفسيته غير مستقرة لأنه بعيد عن بلده، فبوسع الإنسان أن يجمّل حياته فيجعلها ملأى بالراحة والهدوء إذا تعامل مع الأمر بواقعية، وبوسعه أن يحوّلها إلى تعاسة مطلقة إذا لم يكن قادراً على ذلك، وأضاف يمكن للشخص التعايش مع مختلف الثقافات وهنا تكوّنت لدي معرفة وخبرة ودراية بالحياة الاجتماعية، ربما لم يتسن لي الحصول عليها فيما لو لم أهاجر.‏‏

رأي الاختصاص‏‏

الدكتور عماد سعدة رئيس قسم علم النفس بكلية التربية أفادنا برأيه بأن الذين يغتربون قمسان قسم يتغرب باعتبار المجتمع له عادات قديمة وتفكير قديم ويسعون إلى مستقبل وتطوير حياة أفضل، وقسم آخر يحب السفر للتمتع به والاستقرار خارج البلاد، دون أن ننسى أن كل فرد تواجهه صعوبات مع المجتمع الجديد وحضارته وعاداته وتقاليده ولاسيما خلال الأسابيع الأولى وهذا أمر محتوم. وأضاف إن من المغتربين من يستحق لقب سفير بلاده بأخلاقه وتعامله مع الناس، فهو خير من يمثّل بلاده ويعطي مثالاً رائعاً وصورة جميلة عن بلده ويكون قدوة للآخرين بالدفاع عن مصالح الوطن، وعن الغربة بالنسبة للفتاة قال: إن معاناتها أكثر وتواجهها صعوبات كبيرة مقارنة بالشباب، لكونها أقل تحمّلاً لظروف الغربة القاسية من الشباب، فضلاً عن أن وجودها بالمنزل وحيدة ببلدٍ غريب عنها بمجتمعه وثقافته وطقوسه وأخلاقه.،أما بالنسبة للزواج والغربة خارج الوطن فإنه أمر مؤكد فلا بد للم شمل العائلة والحفاظ على ترابط الأسرة التي تشكل الخلية الأولى في المجتمع . وبالنتيجة يبقى للغربة شقان أحدهما سلبي وخاصة أنه عندما يعود الشخص إلى وطنه الأم بأفكار وقيم لا تتناسب مع المحيط الذي يعيش فيه، أو عندما يهاجر إلى بلد آخر ويستقر فيه وتأخذه الأيام دون الرجوع إلى بلده، أما الشق الإيجابي عندما يعود المغترب إلى بلده بأفكار جديدة لتطوير الأعمال التي يقوم بها فمسألة ارتباط الفرد بوطنه مسألة مهمة وأساسية.‏‏

بقي أن نقول إن الغربة إحساس داخلي يختلف من إنسان لآخر, فمنهم من يجعله البعد عن الوطن رقيقا في معاملته دون أن تذهب به الرقة إلى الضعف ، وشديداً دون أن تذهب به الشدة إلى العنف، ومنهم من تجعله الغربة حريصاً يعرف معنى التعب والتحصيل والجهد، فيما قسم آخر من الناس تقودهم هذه الظاهرة إلى الإسراف وحب الترف واللهو، والتكبر والبغي ووضع أموالهم في طرقات وأماكن تسبب هلاكهم لكن بالنتيجة تترك الغربة بصمات مؤلمة وجراحاً صعبة الاندمال وتعجز العبارات أمامها عن توصيف الحالة التي يمر بها المغترب عن دياره.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية