تبدأ القصائد بمعركة ضارية غير معروفة الأسباب، تشنها الربة العذراء عنات، ضد أعداء غير معروفين أيضاً. تتزين عناة وتضع الحلي والمساحيق والعطور وتتألق بأفخر الثياب. تغلق باب القصر على ضيوفها ومدعويها،
وتسلبهم حياتهم الواحد تلو الآخر. تمتلئ بالدماء، فتغتسل ثم تتعطر من جديد وتتزين وتلبس ملابسها الجميلة. تتلقى عناة دعوة من بعل لزيارته في مقره على سفوح جبل «صفون» «الأقرع». تقبل الدعوة، فتتزين وتتعطر من جديد وتمضي إلى لقائه:
سبع صبايا مسحن جسد «عنات»
بأدهان المحار والكزبرة
عطرنها بطيوب الزعفران والعناب
أوصدت الربة أبواب دارها
ومضت إلى سفح الجبل
حيث التقت المبعوثين
حين أبصرت عناة المبعوثين خارت قواها وخذلتها ساقاها، وتساءلت:
أهناك من ينهض ضد بعل؟
أثمة من يهدد فارس الغيوم؟
ألم أقض على «نهر» رب المياه العظمى؟
ولكن المبعوثين ألقيا على سمعها رسالة بعل:
«ضعي في الأرض أغذية
وازرعي في التربة قوتاً شهياً
انشري السلام على الأرض
وكثري الخيرات في الحقول»
فلتقدك خطواتك إلى مسكني
لدي ما أفضي به إليك
إنني أعرف البرق الذي تجهله السموات
وأعرف كلاماً يجهله البشر
ولا تفهمه جموع الأرض
تعالي فأكشفه لك
على مرتفعات صفون الجليلة.
أسرعت «عناة» إلى أخيها «بعل»، فأخبرها أنه يريد أن تتوسط له عند رب الآلهة «إيل» من أجل بناء قصر أو معبد أسوة ببقية الآلهة:
ليس لي معبد مثل الأرباب
ليس لي قصر كأبناء أشيرة
ليس لي بيت مثل «إيل»
ليس لي دار تسكنها بناتي:
ذات النور، وذات المطر وأرض
تتوسط عناة لبعل عند أشيرة زوجة إيل، وتقدم لها الهدايا من ذهب وفضة، فتتوسط أشيرة بدورها لبعل عند إيل، ويوافق إيل على بناء قصر لبعل. وما أن يسمع الإله «موت» إله القحط والعالم السفلي بالقصر الجديد الذي بُني لبعل حتى يدعوه إلى القتال. وتكون الغلبة للإله موت، فيحزن إيل كثيراً:
ولتوه إيل اللطيف
نزل عن عرشه
جلس على كرسيه
ثم نزل عن كرسيه
وجلس على الأرض
رش تراب الحزن على رأسه
تراب الغم على هامته
لبس الخيش رداء وسترة
جرح نفسه بحجر
جرح خديه وذقنه
فتح الأثلام في زنده
رفع صوته بالبكاء:
لقد مات بعل!
ماذا سيحدث للناس؟
مات ابن داغون.
وحين بلغ صوت عويل إيل مسامع عنات، صارت تبحث عن بعل في كل مكان حتى وجدته صريعاً على الأرض، فخدشت وجهها وأدمت ذراعيها، وجرحت صدرها، ولبست الخيش سترة ورداء. ورفعت صوتها بالبكاء:
مات البعل، فمن لأهل ابن داغون؟
من للجماهير التي كانت تسير وراءه؟
صرخت عنات بإله الموت ليرد لها أخيها، فيجيبها «موت»:
لقد مضغت بعل القدير
وجعلته كالحمل في فمي
وسحقته كالجدي في حلقي
ومع غياب بعل، تشققت الأخاديد في الحقول، وعم الجفاف حقول إيل. يرفض «موت» إعادة بعل إلى الحياة، فتمسك عناة بسيفها وتشطره وبمنجلها تقطعه وتجرشه ثم تذروه في الحقل فتأكل العصافير بقاياه.
مات «موت» كما مات «بعل». وفي رؤيا من خالق الخلائق «إيل» تمطر السموات سمناً وتسيل الأودية عسلاً. عندها تعلم عناة بأن بعل ما زال حياً، فتستعيده «نيرة الآلهة» شاباس إلى الأرض ويعود إلى عرشه من جديد، ويقود دورة الحياة بعد قحط.
دون هذه الأسطورة «إيلي ميلكو»، وقد تميزت بنغمة شعرية عالية وانطلاقة حرة في التعبير. وهذا يدل على أن الكنعانيين كانوا في مصاف الشعراء الكبار دون جدال. وبتدقيق في آلهة الإغريق، سنجد أن هوميروس قد استقى شخصية العذراء «أثينا» من شخصية العذراء «عناة».