تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشكلة صغيرة

ملحق ثقافي
الأحد 26-6-2012
قصة: نجود جمعة :كانت سلمى مشغولة بلملمة كتبها وكراريس المحاضرات، وهي تهم بمغادرة القاعة – حين استوقفتها أنفاس رجل ما- وعلى الرغم من أنها لم تكن قد طرفت عينيها، لترى من بجانبها،

إلا أنها أدركت أن هذه التنهدات المتلاحقة، إنما هي أنفاس رجل.‏

وما كاد بصرها يزوغ نحو اليمين، حتى بدأت أنفاسها هي الأخرى تتلاحق بسرعة هاربة من صدرها كأنها خارجة من فرن.‏

غمرها الارتباك، مخلفاً أذنين محمرتين، ووجنتين مدماتين بالخجل، وكتب وأوراق متناثرة جانب قدمين مرتجفتين.‏

لم تدري كم من الوقت مر، وهو هابط قرب قدميها يلملم ما سقط منها، ولم تدر أية قوة شيطانية جعلت عينيها –الخجولتين عادة – أن تعانقا عينيه، وهو يقدم لها ما سقط منها، وهي تفكر بأن ما يقوم بلملمته باهتمام بالغ –على الرغم من قيمته العلمية -لا يساوي شيئاً بالنسبة لما فقدته للتو، أمام نظراته الواثقة.‏

هي تعلم أنه منذ مدة مهتم لأمرها، يجلس دوماً في المقعد المحاذي لها، ضبطته أكثر من مرة يسترق النظر إليها، ومتعمداً المشي خلفها تماماً أثناء الخروج من المحاضرة، تاركاً أنفاسه اللاهبة تداعب شعرها الأشقر الناعم.‏

لم تكن تكترث له قبل الآن، فقد كان يكبرها وزملائها بجيل، وكان الكل يعرفه ولا يعرفه. كان صديقاً حميماً للجميع وحسب.‏

قدم لها الكتب والكراريس ورحل، تاركاً إياها خلفه مشلولة الأطراف من الدهشة.‏

وبدأت سلمى حياتها العاطفية لأول مرة منذ أدركت أنوثتها.‏

كانت تلتقيه كل يوم تقريباً، تتملى تقاسيمه بحنين، وتتشرب روحها الملتهبة شغفاً من أحاديثه.‏

كانت تغرق في بحر كلماته، إلا أنها كانت تموت فرحاً في غمرة هذا الغرق.‏

كانت تعود كل يوم إلى غرفتها مخدرة منتشية بمورفينها الجميل.‏

لن تسمح لأي شيء في الدنيا أن يبعده عنها، حتماً ستجد حلاً لمشكلته الصغيرة، هو يقول لها دائماً بأنها مشكلة صغيرة تمنعه من الزواج بها.‏

اليوم قال لها: بأن قصص الحب الكبيرة تنهيها أتفه الأسباب.‏

وأخذت تفكر ما هي هذه المشكلة الصغيرة، ربما كان فقيراً لا يملك المال الكافي؟ هذه مشكلة تافهة حقاً، ولكنها لا تنتمي لزمرة التفاهات التي تنهي قصص الحب الكبيرة، لن يمنعها الفقر عنه.‏

قد يعترض أهله لأنها من طائفة مختلفة، ستذهب لأهله وتجعلهم يحبونها ولا يتمنون سواها زوجة لابنهم.‏

وراحت تعد وتحصي كل المشاكل الصغيرة التافهة، وتجد لها حلولاً. ونامت.‏

استيقظت كياسمينة نيسان، متفتحة، ناصعة. وكفراشة تعشق الاحتراق بالضوء، راحت تبحث عنه في أنحاء الجامعة، وما إن وجدته حتى اعترتها سعادة عامرة، وراحت تحدثه بأنها وجدت كل الحلول للأسباب التي تعيق زواجه منها.‏

واجتاحته موجة من الدهشة! وأخذ يسألها: هل تعرف ما هي الأسباب التي تمنعه من الزواج بها؟‏

فأجابته: بأن لا، وبدأت تسرد عليه كل الاحتمالات والحلول. وبينما هي تتحدث، قاطعها فجأة، نظر إليها ببرود وقال لها بهدوء: أنا لا أستطيع الزواج بك فقط لأني أعاني من مشكلة صحية تعجزني عن القيام بواجباتي كزوج.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية