الإحساس بالخوف ومن ثم إحساس برغبة شديدة للقيام بهذا العمل، الخوف كان نابعاً من عدم قدرة الفرقة تنفيذ أعمال والدي، ولكن المحبة الكبيرة والعرفان بالجميل من كافة أعضاء الفرقة كان الدافع الكبير لتجاوز هذا الشعور، أملي من هذه الفرقة أن تستطيع متابعة مسيرة عدنان أبو الشامات الفنية وأن تتمكن من إضافة أعمال أخرى خالدة لعدد من الفنانين السوريين». هكذا يقول الموسيقي نبيل أبو الشامات ابن الراحل الموسيقي الكبير عدنان أبو الشامات.
ويبدو أن مخافته لم تكن في محلها، وهذا ما لمسناه خلال حفلة الفرقة الأخيرة التي أقامتها على مسرح القباني بدمشق وبتنظيم من مديرية المسارح والموسيقا؛ حيث أدت برنامجها بأسلوب ممتع وبكامل الأمانة.
رسالة إحياء التراث السوري
وهنا يقول الموسيقي رفيق طلعت وهو مدرب في مدرسة أبناء الشهداء: «في زحمة المجازر الفنية التي نراها ونسمعها حيث إنها لا تنتمي إلى أصول الموسيقا والغناء وليس لها هوية وبعيدة عن تراثنا وأصالتنا، أخذت فرقة عدنان أبو الشامات للتراث على عاتقها حمل رسالة إحياء التراث العربي السوري والموسيقي والغنائي، فأتت هذه الفرقة بجدائلها السمراء لتعانق قافية الحضارة والأصالة لتقدم وجبات دسمة من تراثنا الفني بمفرداته من كل الجوانب. وهنا أشيد بفريق العمل في هذه الفرقة لتبنيه هذا المشروع الحضاري؛ حيث كانت الفرقة متميزة بأدائها وانسجامها ومتميزة باختيارها الأعمال الموسيقية والغنائية السورية التي أعادت إلينا نشوة الماضي. وهنا أدعو كل الفنانين الاهتمام بهذا الجانب الهام بإحياء موسيقانا لنربي أجيالنا على الفن النظيف».
وشهادة أخرى لمربية فاضلة وموسيقية قديرة كانت تحضر الحفلة المذكورة إنها إلهام أبو السعود تشيد بهذه الفرقة حيث تقول: «الأستاذ عدنان أبو الشامات رحمه الله موسوعة الموسيقا العربية ومقاماتها وأوزانها له الكثير من الأعمال الغنائية والموسيقية القيمة وهو من اقرب زملائي، تعاونت معه من خلال فرقته الأنغام العربية التي كانت بقيادته، اشترك عدة مرات في مؤتمر ومهرجان الموسيقا العربية في القاهرة، حيث كنت حاضرة في كل المهرجانات والمؤتمرات».
إخلاص واضح للراحل أبو الشامات
وتتابع أبو السعود قائلة «قدم عدنان في المهرجان أعمالاً ناجحة نالت إعجاب الحاضرين، وأنا اليوم أستمع إلى فرقة عدنان أبو الشامات التي شكلها مشكورين الأستاذين حسام المهدي وبديع البغدادي شعرت بمدى إخلاصهما للراحل وتفانيهما وتقديرهما له وبهذه الخطوة وبجهودهما هي شكل من أشكال التخليد لذكراه، ولا يسعني إلا أن أشكر أعضاء هذه الفرقة بتقديمها أعمال أبو الشامات إضافة إلى مقاطع متنوعة ومشوقة نالت استحسان الحضور».
لهذه الفرقة الناشئة ما يميزها عن أخواتها؛ حيث تبحث عن الأغاني السورية المنسية لتقدمها للحضور بطريقة لائقة من الناحية الموسيقية والجودة كمثل الأغاني التي قدمتها في حفلها الأخير وكذلك الأمر في حفلاتها السابقة منها نذكر «تعالالي، دندرما، بين الجناين، إن كنت تعشقني، العزوبية، غزالي، تفته هندي»، إضافة إلى الأغاني الوطنية الرائعة مثل نشيد «وطني» من كلمات عدنان مرتيني وألحان الراحل عدنان أبو الشامات بصوت غنائي جماعي «الكورال» وبتناسق يصعب على الكثير من الفرق في أيامنا هذه.
الإدهاش بالإتقان والترتيب
وهنا يقول عازف العود القدير زهير زرزور الذي ناهز من العمر ثمانين عاماً: «تعود معرفتي بالأستاذ بديع ما يقارب ثلاثين سنة مضت، منذ ذلك الوقت كان عازف لافتاً للأنظار، غبت عنه لفترة لتجمعنا مرة أخرى فرقة الدراويش الشامية لتتجدد صداقتي به ولكن بشكل أقوى. ثم ساهم في تأسيس فرقة الفنان عدنان أبو الشامات مع الأستاذ حسام المهدي وكبار العازفين في التاريخ السوري، ودعاني لحضور باكورة أعمال الفرقة على مسرح القباني، فما كان مني إلا أن أدعو أصدقائي المحبين للموسيقا لحضور هذا الحفل دون أن أعلم عنه شيئاً. وسررت عند حضوري حيث رأيت جميع أعضاء الفرقة باستقبالي على باب المسرح مع ضيوفي، ومفاجأتي كانت أكبر عندما استمعت إلى برنامج الحفلة وأدهشني الإتقان والترتيب وخيارات المقطوعات الجميلة».
لا شك بأن الأغنية العربية المعاصرة تجتاحها اليوم موجة من الضياع والفوضى في هويتها الموسيقية والأسس الواجب اعتمادها لتقييم جديدها، فبينما يزداد بشكل مطّرد ومبتذل أحياناً، عدد ممتهني الغناء، يندر وجود مطربين ومطربات فيما بينهم، وبينما تكثر المحطات الإذاعية والتلفزيونية والفضائية، تتبدل قوانين الإصغاء والذوق السليم لدى المستمعين والمشاهدين وبينما يغرق يومياً سوق الإنتاج بكم هائل من الأغاني الجديدة، تحصي على أصابع اليد الأغاني التي تتميز بالإبداع والجمال والعمر الطويل وتزيد المتلقي جمالية وثقافة وانشراحاً، وبينما يزداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم لقب «ملحن» نرى أن الألحان الجدية والمبدعة غائبة بشكل عام عن أكثرية الأغاني العربية المعاصرة، من هنا تأتي أهمية الفرقة التي نحن بصددها ومثيلاتها من الفرق ربما تعيد الذائقة الفنية العربية إلى مكانها وتضع الحصان أمام العربة.
بعد فرقة أنغام
عن تشكيل فرقة عدنان أبو الشامات يقول لنا مديرها الإداري وعازف الكمان فيها الموسيقي بديع بغدادي: «أغلب أعضاء الفرقة هم ممن كانوا يعزفون مع فرقة أنغام للتراث بقيادة الراحل عدنان أبو الشامات، عملنا معه في جميع حفلاته داخل القطر وخارجه وكنا نستمتع بعملنا معه لأنه كان بالنسبة إلينا بمثابة فنان ومعلم، وكان أصيلاً بألحانه وأعماله واختياره للبرامج التي يقدمها ومنها التراثي السوري والعربي والأندلسي، وبرحيله خسرت الساحة الفنية فنانا كبيراً وعلماً من أعلام الموسيقا، وكان لا بد ونظراً لحبنا له ولفنه وخوفاً من أن ينسى الناس هذا الفنان الكبير وأعماله وإضافة لموجة الفن الهابط والغزو الثقافي الغربي الذي يتعرض له الوطن فكرنا نحن طلابه وأعضاء فرقته بالقيام بنشاطات فردية وحفلات جماهيرية، وتم لنا ذلك. وقد تعاونت أنا وزميلي حسام المهدي ومحمود بليلي بتأسيس هذه الفرقة وحضرنا برامج متنوعة من وصلات تراثية وأصيله وبعض أعمال الراحل. وقد قدمنا حتى الآن حفلتين، الأولى في شباط 2012 في المركز الثقافي العربي في كفرسوسة والثانية على مسرح القباني في 13/5/2012 وقد تفاعل الجمهور مع عملنا بشكل كبير ولاقينا نجاحاً ولعل هذا النجاح يكون حافزاً ايجابياً لنا في الاستمرار لتحقيق الغاية المرجوة من تأسيس فرقتنا هذه بالحفاظ على التراث الأصيل إضافة لبعث عمل الرواد الأوائل».
يمتاز اللحن العربي التقليدي بطابعه الطربي وسلّمه المقامي وإيقاعه المبني على إيقاع الشعر والمكمل لبنيته اللحنية، وهذه الخصائص رسخت هوية الغناء العربي منذ بداياته مع مدارس القيان والجواري، وتطورت الموسيقا العربية بطريقة أفقية فطورت مقاماتها اللحنية وإيقاعاتها ولم تدخل في علم الهارموني، وعمد ملحنوها الأصليون من خلال مؤلفاتهم إلى الحفاظ على نهجها التقليدي مع تطعيمه من وقت لآخر وحسب قدرات كل ملحن وفنه بعناصر جديدة تبوتقت ضمن الخط التقليدي وساهمت في تطور تلك الموسيقا من دون المساس بهويتها، ومن خصائص الأغنية العربية الخبرة الموسيقية الكبيرة الأداء العميق المبني على الإحساس الفني والموجه إلى الداخل، وعلى ذات الدرب تحاول فرقة أبو الشامات أن تمضي بتطور أكبر من حيث عدد الآلات الموسيقية وقليل من التوزيع الموسيقي ليكون للحن طعم آخر.
الفن رسالة إنسانية
يقول عازف القانون وقائد فرقتنا هذه الموسيقي حسام المهدي: «في زخم وزحمة الفضائيات المتنوعة والغزو الثقافي أنتجت بعض الفنون المتنوعة لتشوه عالمنا العربي وتحرف الطريق عن صوابه والفن بشكل عام عن رسالته السامية التي وجد من أجلها، فالفن في بلادنا له رسالة واضحة المعالم من خلال الكلمة والصورة فأين هي الآن؟ إنها موجودة في ذاكرتنا ووجداننا وفي تراثنا الغني جداً وأخص بالذكر تراثنا وفولكلورنا السوري الأصيل، لهذا كانت فكرة إنشاء فرقة للتراث تعمل على نقله دون تشويه أو تغيير أي كما هو لحناً وكلمة، ومن عمق انتمائنا لوطننا وشعبنا السوري الأصيل، ومما يتطلبه منا وطننا وثوابتنا الوطنية الارتقاء به منيعاً شامخاً، ومن كون الفن رسالة إنسانية هادفة تعكس وجهاً حضارياً ثقافياً إعلامياً رافداً لطموح سورية، بدأتُ بالبحث والتنقيب عمّا لدينا من أغانٍ تراثية منذ سنوات مضت وجمعت ودونت العشرات منها على سبيل المثال لا الحصر: عالنرجس، الببو، دندرما، بين الجناين، بين الدوالي، عالعميم، يا حنينة، برهوم، يا مال الشام، عالغوطة...، وعندما بدأ العرب بتدريس علم النوطة وكتابتها أهملوا الأغاني الشعبية. فأشكر كل الشكر لمن بدأ بتنويط بعضاً منها أمثال «فؤاد محفوظ» و»عدنان أبو الشامات» و»عدنان أيلوش»
وغيرهم من أعلام الموسيقا، فوجدت نفسي أمام عمل ضخم وجميل فسجلت قسماً منها ووضعت مقاطع موسيقية بسيطة كتمهيد لكل أغنية، ومن ثم شكلت مع بعض زملائي الفنانين فرقة لإحياء التراث فكان المشجع الأكبر لهذا المشروع هو الأستاذ الراحل عدنان أبو الشامات. وانطلقت فرقتنا وقدمت مشروعها أملاً منا بمواكبة مسيرة هذا الوطن العزيز، لذلك قررنا أنا وزملائي أن تحمل الفرقة اسم الراحل عدنان أبو الشامات فضلاً عن أنه من أعلام الموسيقا في سوريا ونحن جاهدون للعمل على إحياء التراث وتوثيقه وحفظه من النسيان والغزو الثقافي والفضائي لأغانينا الجميلة. والشكر كل الشكر لمن ساهم ودعم فرقتنا ونعاهدهم أن نتابع العمل وتحمل المسؤولية لتقديم فنً راق مميز يخدم الرسالة الإنسانية ويشمل سوريا بكل أطيافها، وأنا أشعر الآن بالسرور والسعادة بعد تقديم جزء من هذه الأغاني من خلال حفلتين، ولأنني ساعدتُ بالحفاظ على إرثٍ وطنيٍّ هامٍّ من الضياع».
تتألف هذه الفرقة من أسماء مرموقة أغلبها لها باع طويل في خدمة الموسيقا السورية وهم: حسام المهدي عازف قانون وقائد الفرقة، نبيل أبو الشامات «كيبورد»، أحمد عبدو «ناي»، محمود بليلي «عود»، بديع بغدادي «كمان» والمدير الإداري للفرقة، أحمد الحلبي ومهدي المهدي «كمان»، طارق المصري «تشيللو»، أيمن خربوطلي ومازن عنتر وحسان مسكي «إيقاع»، إضافة إلى المغنين قاسم مسكي، جمال حموي، بشير عدس، دعد داهوك، أماني يازجي ، سارة يوسف.
خطوة من مسافة ألف ميل
إنها لخطوة جبارة من قبل مديرية المسارح والموسيقا بدعم وتأسيس هكذا فرق؛ حيث تبنت في الفترة الأخيرة عدداً من الفرق تهتم وتقدم الأغنية السورية والعربية بشكلها الجميل وإضافة إلى الفرقة التي تحدثنا عنها هناك أوركسترا الموسيقا العربية بقيادة نزيه أسعد والفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة جوان قره جولي وفرقة الدراويش الشامية بقيادة صلاح قباني وعدد من الفرق الشعبية والتراثية الأخرى، ربما تعلق هذه الخطوة في أذهان أجيالنا ما قدمه موسيقيونا في الفترة الذهبية من الأغنية العربية وربما نرى أشخاصاً يحذون حذو أجدادها، وربما تكون الخطوة التي سنقطع بها مسافة ألف ميل.
وعندما رأينا الفنان القدير محمود جركس في حفلة فرقة عدنان أبو الشامات على مسرح القباني وباعتباره من الزمن الجميل الذي ذكرناه قلنا له ما رأيك، وأحببنا أن يكون جوابه ختام هذه الكلمات فأجاب: «أستطيع أن أقول بكل فخر واعتزاز، إنها لظاهرة فنية أدبية رائعة، هذه الظاهرة التي تمت ولادتها في دمشق، بعد انتظار دام طويلاً. إنها فرقة فنية جديدة شاهدها عشاق الفن الأصيل واستمتع بأدائها المتميز، وكم كنت سعيداً لأني شاهدت هذا العرض الرائع المتميز. وها أنا أرسل من خلالكم تحياتي وأرفع القبعة لكل فرد من أفراد هذه الفرقة متمنياً لهم دوام التقدم والنجاح».