لكل منهما في الكنيست الثامنة عشرة, بمقاعدها ال 120 ما يعني أن أي حكومة قادمة لن تكون إلا ائتلافية. ولما كانت للطرفين مواقف مختلفة من العملية السلمية, فإن نتيجة الانتخابات ستؤثر بشكل مباشر على السياسة الإقليمية للولايات المتحدة التي استضافت مؤتمر أنابوليس وعلى مستقبل العملية التي تحمل اسمه.
هذا مايقدره باحثون أميركيون, استناداً إلى أن حرب تموز 2006 أخفقت في تحقيق أهدافها في لبنان, فيما تمكنت حماس من فرض سيطرتها على قطاع غزة في العام 2007, ماأيد الرأي القائل بأن كديما لايستطيع أن يأمل في التنافس باعتباره حزباً كبيراً, مايعيد (إسرائيل) إلى العهد الذي لم يكن فيه فارق بين الليكود والعمل. بيد أن الانتخابات القادمة سوف تسجل انعطافاً مثيراً, إذ يتنافس كديما, ليس مع حزب العمل, وإنما مع الليكود على الصدارة في الانتخابات. هذا التحول الذي استثنى حزب العمل كان نتيجة تطورين اثنين:
الأول... مايبدو أنه انهيار حزب العمل, وهو انهيار تلاحظ وقائعه عند مقارنة نتائج الانتخابات التشريعية عام 1992 بنتائج انتخابات العام 2006. الأولى وهي التي جاءت ب إسحاق رابين رئيساً للحكومة, بلغت قوة حزب العمل البرلمانية ممثلة ب 44 مقعداً في الكنيست, بينما انخفضت قوته في الثانية إلى 19 مقعداً. واستطلاعات الرأي تشير إلى أن العمل لن يفوز في الانتخابات التي كان ايهود باراك داعياً لها, ولن تأتيه بأكثر من عشرة مقاعد, مايدفعه إلى الجلوس في المقاعد الخلفية لسنوات, وخاصة أن الساحة السياسية الحزبية في (إسرائيل) تشهد الآن مخاضاً قد يطيح بالعمل الذي يشهد الآن حالة من الانشقاق والفرار من صفوفه, وهو على وشك الغرق.
أما التطور الثاني فيتمثل بصعود ليفني إلى موقع رئاسة كديما بدلاً من ايهود اولمرت الذي اضطر للاستقالة بسبب الفساد, بالتزامن مع هبوط باراك. والإسرائيليون مازالوا يحفظون عنه القول إنه لايوجد شريك فلسطيني يتم التفاوض معه بينما أقنعتهم ليفني, وعبر اجتماعاتها المتوالية بانتظام مع كبير المفاوضين الفلسطينيين أحمد قريع لتذليل صعوبات تعترض طريق التوصل إلى اتفاق إطار framework agreement وهي ولدت لدى الإسرائيليين قناعة بأنها مفاوض عنيد يرفض مايوصف بأنها تنازلات اولمرت للفلسطينيين, في إشارة إلى أقواله بأن إسرائيل الكبرى انتهت وإعلانه أمام أعضاء حكومته لايمكن للسلام أن يتحقق مع الفلسطينيين قبل - التنازل - عن أحياء في القدس الشرقية غير أن هذه الأقوال, كما يراها ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع العملية السلمية في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, تحية وداع لليفني حركت معها جماهير حزب العمل droves of labour مؤيدة لها, فيما أظهرتها علاقاتها غير الحميمة مع اولمرت بمظهر الأمين وغير الفاسد , وخاصة بعد أن رفضت تلبية طلبات شاس المالية وقالت: إنها لن تخضع للابتزاز, ماحال دون تشكيلها حكومة ائتلافية.
وقد تلعب ليفني ورقة اوباما في الانتخابات القادمة باقتراحها أن السلام في الشرق الأوسط مرتبط بإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. ومثل هذه اللعبة من شأنها أن تظهر منافسها في الانتخابات القادمة بنيامين نتنياهو وكأنه مع الولايات المتحدة التي مازالت تذكر علاقاتها السيئة معه وتهديده في عهد كلينتون بأنه سيحرق واشنطن .
وهو تهديد ما كان ليطلقه لولا الغرور الذي وقع فيه بفضل تحريض من المحافظين الجدد وهو الذي كان أول من تسلم مشروعهم في المنطقة والذي عرف بالاختراق النظيف clean break
ويعتقد نتنياهو أنه يملك في يديه بطاقات يلعبها في الانتخابات. فهو أولا يسعى إلى تحييد مرجعية ليفني بتأكيد معرفته بالولايات المتحدة, في محاولة تجنب النزاع معها, بيد أن النقاد وهم يتحدون هذه الفرضية يشيرون إلى أن هناك تحديات لهذه النقطة مستمرة منذ أن ساءت العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأميركي بيل كلينتون. ثانياً أعلن نتنياهو, أنه يفضل حكومة وحدة وطنية في محاولة لتليين العلاقات الصعبة مع الوسط الإسرائيلي , مايعني أنه مطالب بعملية استقطاب تشمل صفوف اليمين ويمين الوسط.
ناهيك عن أن نتنياهو يفضل ما يعرف بالسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين, وهو سلام يجعل من الضفة الغربية وقطاع غزة سوقاً اقتصادية تدر سنوياً نحو 3مليارات دولار, ويجعل من المصارف الإسرائيلية مصرفاً مركزياً لهم.
وفي حملته الانتخابية التي تقوده إلى صراع مع كديما المستقطب من الليكوديين السابقين, يسعى نتنياهو للاعتماد على الصوت العربي, ليس باعتبار عرب الداخل مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع غيرهم من اليهود, وإنما باعتبارهم خزاناً يتم اللجوء إليه يوم الانتخابات وهم يمثلون 20% من مجموع السكان. فإذا مابدل عرب الداخل تحالفاتهم, ومن وسائله تشكيل قائمة موحدة, فإنهم قادرون على أن يكونوا بمقاعدهم الأربعة عشر بيضة القبان عند تشكيل أي حكومة ائتلافية إسرائيلية, وكما تقول دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (14/11/2008) قادرون على تغيير آلية الانتخابات. وإذا ما تخلوا عن فكرة القائمة الواحدة فإن الفائز في انتخابات شباط القادم ستكون رئيسة كديما تسيبي ليفني. كل هذا والذاكرة تختزن أن نتنياهو الذي حظي بلقب الصقر المالي عندما كان وزيراً للمالية في عهد شارون لإقدامه على خفض مخصصات الرفاه بالنسبة لليهود الأرثوذكس الشرقيين , وخفض موازنة الجيش الذي يرجع فشله في حرب تموز لهذه النقطة, بيد أنه قادر على تمرير رسائل للإسرائيليين بأنه وبخبرته المالية, الرجل الذي سيخرج الاقتصاد الإسرائيلي من أزمته المتجددة بلبوس الأزمة المالية العالمية.
وستكون المسألة الإيرانية عنواناً انتخابياً في الكيان الإسرائيلي, وسيعمل كل من ليفني ونتنياهو على ألا تكون هذه المسألة مفتوحة, ولكنهما سيلجأان إلى ما يعرف بالصفة الكبرى التي تمنع ولا تقمع إيران من الوصول إلى السلاح النووي.