أناس ما كانوا يستحقون قيادة ليس فقط سلاحاً أو جناحاً أو شعبة, بل إنه من المشكوك أن يقودوا حذاء أو حتى بابوجاً. ومع ذلك كيف يحصل هذا إذاً? كيف نجح مثل هؤلاء الأشخاص في الوصول إلى القيادة إلى أعلى صفوف أذرع الأمن المختلفة, وعن دورهم قيل في أثناء خدمتهم إنهم ذوو عقول لامعة ومذهلة وقدرة قيادة استثنائية لا مثيل لها? كيف يمكن لهذا أن يحصل, أنت تسأل نفسك, حيال ضابط كبير نزع بزته ويعرض في مقابلة تلفزيونية هزلية جملة هذيانه السطحي, كيف يمكن لهذا أن يحصل? حتى في حالة الهزأ الجديد هذا وصفوه بالعبقري والجريء بالتفكير والتعبير وها هو أيضاً, تقريباً مثل كل أسلافه الكبار, يبيع هراء كأنه اخترع لتوه الدولاب.
أين الخطأ هنا? حتى الآن قالوا لنا: إنه لا يوجد هنا أي خطأ بل يدور الحديث عن فارق بين العقائد المختلفة. بمعنى, المزايا المطلوبة من قائد في مبنى ذي مراتبية مغلقة مثل الجيش تختلف تماماً عن المزايا المطلوبة من زعيم في مبنى ديمقراطي مفتوح في الإطار المدني.
وعليه فإن قسماً من قادة الجيش ممن اعتادوا على مدى عشرات السنين المبنى العسكري يجدون صعوبة في التكيف مع المبنى المدني يحتمل أن يكون هناك فارق, ويحتمل أن يكون من الصعب التكيف.
ولكن هل يحتمل أن يكون الفارق بين الجيش والحياة المدنية هو أن الحكمة مطلوبة من أجل النجاح في الحياة المدنية, بينما يتطلب النجاح في الجيش عدم الحكمة? أيحتمل أمر كهذا? أم ربما, وهذا الجواب أيضاً يعرض أحياناً, أنه في اللحظة التي ينزع فيها هؤلاء الكبار بزاتهم ويبدؤون تنفس الهواء النقي في الحياة المدنية, يحدث عندهم نوع من النوبة الطبية المفاجئة, مثابة انوبة دماغيةب كتلك وإذا بكل أو على الأقل جزء هام مما كان رائعاً فيه في الجيش, يشطب بضربة واحدة وكأنه لم يكن ولهذا فإنهم يصبحون في الحياة المدنية مجرد, وعذراً, تنابل عاديين. ويحتمل أن يكون لهذا اللغز حل آخر, مقلق ومزعج, وهو أنهم بالضبط هكذا حتى عندما كانوا في البزات, وأنه تحت غطاء السرية المقدسة التي تلفهم, ينبت لنا في أذرع الأمن المرة تلو الأخرى قادة, وإن قلنا ذلك بأخف التعابير, ليس ناجحين جداً.
ولعله من المجدي من ثم أن يتم إخراج فحص القادة الكبار في أذرع الأمن من أيدي الضباط الكبار أنفسهم, الذين يعودون ويختارون كباراً مثلهم, وينقل هذا الفحص إلى رقابة مدنية ما, لإعفائنا من هذا العجب الكبير للغياب المفاجئ للعقل.