تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل... سمر دريعي تشكيلية وباحثة أكاديمية..واقعيـة وتعبيرية واحتمــــالات تجريديـة..

ثقافة
الثلاثاء 29-10-2019
أديب مخزوم

تشكل لوحات الفنانة التشكيلية د. سمر دريعي المدخل لالتماس تنويعات وتحولات تجربتها الفنية، التي عرفت كيف تحقق خطوات الانتقال من الصياغة الواقعية، المقروءة في مشاهد الوجوه والأجساد والطبيعة وغيرها، الى الأداء التعبيري، الذي يحدد روح وجوهر الشكل.

ونشعر ونحن نشاهد مجموعة لوحاتها التعبيرية بتداخلات لمساتها العفوية, كما نستشف تجليات الإيقاعات اللونية، التي تبرز عبر مزاولتها اليومية للرسم التلقائي، الذي نكتشف فيه حرية في صياغة إيقاعات الشكل وموسيقى اللون. ولقد جاءت إلى الفن التشكيلي والموسيقي والغنائي عبر تأثيرات عائلية، فوالدها الفنان الراحل، كانت لديه مواهب واهتمامات فنية متنوعة، وسرعان ما تحول منزلهم إلى ملتقى لأهل الفن والثقافة، وفي لوحاتها وغنائها وأسلوب حياتها، تظهر متمردة وحالمة، وهي تضع أمامنا علامات استفهام حيال علاقة لوحاتها بمعطيات ثقافة فنون العصر وعلاقة تجربتها بالعفوية اللونية والخطية.‏

شاعرية بصرية‏

وتتجه سمر في أكثر أعمالها نحو رسم الموضوع الواحد, مستخدمة في لوحاتها علاقات جمالية وتعبيرية يربطها خيط أسلوبي واحد خاص بها (رغم تنقلها بين الرسم بقلم الفحم على الورق، والرسم بألوان الأكريليك والزيت على الكانفاس) وهي تأخذنا مرة إلى عمل يقترب من الواقعية التي تحقق عناصر الشاعرية اللونية، ومرة أخرى تدخلنا في جماليات الصياغة التعبيرية العفوية، دون التخلي عن خصوصيات بحثها الأسلوبي، والجو التشكيلي العام.‏

هكذا تقدم سمر دريعي، في مجموعة لوحاتها الواقعية والتعبيرية، التي تتناول الموضوعات الانسانية، علاقات تشكيلية تتداخل بحرية وعفوية، تمكنها من ابتكار نسيج بصري حركي يتخطى الرؤية الواقعية التقليدية, ويفتح أمدية داخل مساحة اللوحة, وباتجاه تأكيد الناحية الاسلوبية، الشيء الذي يزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة، تعرف كيف تحرك العناصر، وتبرز مشاعرها الانفعالية, حيث يتغلب الطابع التعبيري على الناحية التصويرية التسجيلية. وهذا يعني انها تطلق العنان لعاطفتها ولغنائيتها اللتين تركتا بصمات واضحة على لوحاتها, المغايرة لمعطيات الواقع المرئي الموجود في الأبعاد الثلاثة.‏

ففي ممارستها الفنية اليومية ترفض الانصياع للواقعية التقليدية، وبذلك تطرح الموضوع كقضية جمالية وثقافية، بهدف الوصول إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس الإنسانية, وهذا يعطيها المزيد من الحرية في تحريك اللون وصياغة الخطوط.‏

والسرعة في التشكيل أحياناً لا تجعل عملا يبرز على حساب آخر. فهي وان كانت تذهب أحيانا إلى لونية مفرطة في داخليتها وحسيتها عبر تهشيرات خطية وحركات لونية متداخلة بحرية وعفوية, إلا انها تقدم في النهاية لوحة متمكنة من ابتكار نسيج بصري حركي يتخطى الرؤية التقليدية، وأحيانا توشح تلك الأشكال بلمسات بيضاء تعتمد على حركة عفوية تحيط بأقسام من الأشكال أو تخرج عن طورها، فتتحول إلى تخطيطات طيعة في مساحة اللوحة.‏

وإذا كانت اللونية العامة تتجه إلى الحركة الغنائية البعيدة عن السكونية, فهذا لا يعني أننا لا نستطيع ملاحظة تلك الدراية والحساسية في معالجة تباينات الألوان وتركيبها وحركتها، التي تطغى عليها درجات اللون الواحد احياناً كالبني. داخل إطار اللوحة، وقد تضيف إلى هذه الإيقاعية ألواناً متوهجة تصل حدود البياض اللوني, وبعض الأحمر والأصفر والأخضر بدرجاتها المخففة.‏

ورغم كل الاهتمام بالصوغ الشكلي واللوني المنظم، والخاضع في أكثر الأحيان للمنطق الواقعي الحديث، نستطيع أن نلمس في خلفيات لوحاتها (قياسات كبيرة ومتوسطة) لمسات وبنى تشكيلية، تحقق حالات وجماليات التداخل بين الشكل الواقعي وحالات التجريد اللوني الغنائي أو بين التصريح والتلميح.‏

مواءمة بين الواقع والتجريد‏

وهذا يعني أنها تقوم بتجسيد حالات من المنظور الحامل مدى ومناخ الفضاء الواقعي الرحب، وتساعدها خبرتها التقنية, على مضاعفة التأثير المشهدي، المقتطف من حضور تفاصيل المشهد، ولقد كانت تبحث ومنذ بدايات انطلاقتها الفنية، عن حل لتجليات الرجوع إلى ينابيع الواقعية، دون أن تخون مشاعرها الذاتية، التي سرعان ما تتفجر عبر لمساتها العفوية المقروءة في خلفيات لوحاتها. كأن أنغام تقاسيم الإيقاعات اللونية التجريدية في خلفيات لوحاتها، تحمل أيضاً، مثل أشكالها الواقعية، تداعيات من ألوان الواقع, المرسوم من الداخل والخارج معاً.‏

وعلى هذا تتجاوز سمر دريعي في صياغة خلفيات اللوحة، الأساليب التقليدية أيضاً، حين تقوم بتجسيدها، بلمسة عفوية تصل حدود تداخل الحركات اللونية مع الوجه والمشهد المرسوم، وبذلك تلتقي مع أساليب الفنانين المحدثين، حين تمد اللوحة بثمرات خبرتها التقنية المتحررة للوصول إلى العجائن اللونية الكثيفة، التي تضفي الايقاعات اللونية الغنائية، في خطوات الوصول إلى الهدف الجمالي المطلوب.‏

لقد ظلت سمر دريعي في اطار الرسم الواقعي,لأنها آمنت منذ البداية بالقدرة على الرسم أو على التجسيد، تماماً كما تؤمن بالتشكيل الحديث، الذي ينطلق من أجواء تجاوز الفضاء الواقعي، أو تذويبه في جزئيات ألوان اللوحة التجريدية. فهي لا تلغي الأشكال لتصل إلى وتيرة الالتباس بين المؤشرات المحلية ومعطيات الحداثة، وإنما ترسم لتحقق حالات المواءمة والموازنة بين الواقع والتجريد.‏

هكذا يمكننا الاقتراب من عوالم لوحات سمر, وتفهم معاني ودلالات تعابير الوجوه الواجمة والحزينة، والتي تعبر عن فجائعية الواقع الراهن، وتحولات ما بعد التجريدية عبر تنقلها من عقلنة واقعية ضابطة، إلى عفوية لونية متحررة، إلا أنها سرعان ما ترتد إلى لغة الوعي، حين تجسد بلغة تصويرية مفرطة في واقعيتها، حركات إنسانية متنوعة في وضعياتها وتعابيرها.‏

facebook.com adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية