رغم هذا الاعتراف الصريح من قبل الفنان الراحل فاتح المدرس, لكنه عملياً لم يتجنب إغواء الكلمة فحاول التعبير بالشعر والكلمات والقصة القصيرة حين- ربما- تخذله الريشة وتتأخر لحظة الصفر التي تجعله يعلن بدء لوحة جديدة وبانتظار- على حد تعبيره (الصفر الرائع- عزيزي - متى ستوصلني إلى الواحد? أعود لأقف مرة ثانية أمام اللوحة,امرأة نائمة وإنها- ياإلهي إنها لا تتنفس ) فهل كان يلجأ إلى كتابة الشعر ريثما تستيقظ (اللوحة- المرأة) من رقادها?!
(موهوب) هي الكلمة الأدق تعبيراً عن نمط اولئك الذين يكتبون ويرسمون يمكن أن نذكر منهم للفور : جبران خليل جبران, كوكتو مالرو... كذلك هنري ميشو الذي عرف عنه عادة غريبة حيث إنه لم يكن يطيق انتظار الحبر لينشف على الورق فيعمد إلى تشغيل (سيشوارين) من جيهتين ويوجههما صوب اللوحة لتنشف على نحو أسرع وتجاري نفاد صبره? في هكذا مسألة ثمة أسئلة سيكولوجية حول طبيعة الفن وطباع الفنانين. أليس الكثير من القبائل المتوحشة في الوقت الحاضر تعتبر ظل الانسان شيئاً نابعاً منه كذلك فهم يعتبرون أن الصورة نابعة من الشيء المشخص, وإن مالك الصورة ينال سطوة على ذلك الشيء المصور, ولهذا اعتقد انسان العصر الحجري أن امتلاك صورة حيوان متوحش يعتقد بأنها تمنحه السيطرة الكلية لهذا الكثير من الحيوانات في رسوم الكهوف, تصور بسهم أو برمح يخترقها, وتلك الرسوم استخدمت كضرب من السحر يتفوق فيه الفنان على زملائه.. لهذا استخدم أسلاف دافنشي وبيكاسو فرشاة مصنوعة من شعر الحيوانات المذبوحة وفنان ما قبل التاريخ لا يقل ذكاء في إعلان ولعه بالسيطرة على الآخرين كذلك فرائسه? ذلك كان قبل أن يخترع اللغة لتكون الكلمة أحد وأمضى من حجر الصوان المدبب الذي رسمت فيه أولى أحلام الانسان على جدران الكهوف..!
قد يكونون كثرهم الكتاب الذين يتورطون بنوعين من الشغف بالسيطرة فيرسمون أيضاً أو العكس والنتيجة- حين تتوفر الموهبة مع النية: ورقة متخمة بذبائح قلم وضحايا ريشة.
وبكل الأحوال مسألة تحتاج تأملاً وتفكيراً قد يفوق تأمل تمثال (المفكر) لرودان?!
كخاتمة شبه عادلة لهذا السؤال سألجأ إلى حادثة جرت مع فاتح المدرس في بينالي سيؤول 1986 حيث يقول : عقب المعرض جاءني كتاب من أحد رواد المعرض الدولي ذاك . يقول أني لم أستطع فهم الابتسامة للسيدة في السائل الأزرق.. هل تتكرم وتشرح لي ما تريده?
طبعاً لم أجبه على سؤاله لأني أنا نفسي أرفض أي شرح).