تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المثقف .. ذاكرة خارج حدود الزمان والمكان!!

كتب
الأربعاء 8/11/2006
لميس علي

على غير هوادة مضى (خارج المكان).. خارج (قدسه) التي ما برحت عقله,قلبه وجوارحه,ممتلكاً موهبة كشف جراح الحقيقة.. وشجاعة عالم امتهن رفع الستار عن خفايا حقائق شوهت مع الزمن.

تنقل إدوارد سعيد,العربي المقدسي,في أرجاء المعمورة,وحاضر في أكثر من ستين جامعة في أميركا وكندا. حاملاًً ذاتاً جماعية,لا ذاته الفردية,مجسدة صورة المظلومين والمشردين والمقموعين.لتغدو لديه صورة الفلسطينيين مثالاً لضحايا الظلم والقمع.‏

وعلى مشارف عالم جديد حلم به,قارع بأداة الكلمة (الفعل),فنجح بجعل قضية بلاده نصاً عالمياً ضمته خارطة التراث العالمي.‏

لم ينس (سعيد) وهو يلقي محاضراته من على منابر مختلفة,أن يروي قصة عائلته التي خرجت من منزلها في القدس عام 1944م,بقصد قضاء إجازة. وعندما عادت وجدت بيتها وقد احتله اليهود,ستتوالد هذه القصة,دائماً في مخيلته,ليستحضرها من على منابر عالمية.‏

على الرغم من قناعته أن الصمت لا يعني سكوتاً عن الحقيقة أو ضياعاً لها,فقد أشار الى أهمية الخروج من دائرة الصمت,لأن الخروج عنه هو خروج من الفردية والذاتية ولذلك أوصى أن (على كل فلسطيني أن يروي قصته).‏

- أهم ما ميز إدوارد سعيد عن مفكري القرن العشرين أنه إثر كل كتاب أصدره أثار موجة عارمة من الآراء المتعددة وحتى المتناقضةولا سيما في النصف الآخر من الكرة الأرضية.لأنه سلك سبيل التنقيب عن الحقيقة ورفع غطاء الوهم الذي حيك حولها.‏

ومقالته المعنونة (أسس التعايش) المنشورة عام 1977م,كان لها من الجرأة والأهمية ما قارب مكانة مؤلفاته الأخرى,إذ يذكر فيها بالمذابح التي حلت باليهود والتي أدت بالمحصلة الى مذابح أخرى لا تقل عنها شناعة في فلسطين داعياً الى قراءة جديدة واعية لكلتا الواقعتين,والى ضرورة الربط بينهما إذ (إن تاريخ المحرقة يستخدم لتبرير أوضاع سياسية معاصرة).‏

وهو أمر يوافقه عليه المفكر الرائد ريموند وليمز قائلاً:(لقد حاول الغرب التكفير عن ذنبه الذي اقترفه بحق اليهود بذنب آخر وهو قتل وتشريد الشعب الفلسطيني).‏

رأى (سعيد) أن عدم اعتراف العرب بمذابح اليهود لا يقدم ولا يؤخر بينما اعترافهم قد يؤدي في نهاية المطاف الى اعتراف العالم واليهود على وجه الخصوص بما هو مقترف من جرائم بحق العرب.‏

ذلك (أن تأسيس العلاقة بين مذبحة وأخرى يوسع دائرة الاعتراف بالضحايا بدلاً من أن تنحصر في ضحية وحيدة يفتح الغرب واليهود العيون عليها وحدها دون غيرها).‏

- بعد عام واحد من نشر المقال السابق,ظهر كتاب (الاستشراق) عام 1978م,وبظهوره أصبح (سعيد) أحد مشاهير الفكر المعاصرين.‏

أسس هذا الكتاب مفهوماً فكرياً جديداً للعلاقة بين الشرق والغرب,وقلب معايير الاستشراق التقليدية,فكشف (سعيد) من خلاله الصورة الوهمية التي نسجها الكتاب الغربيون عن الشرق,مؤكداً أن الاستشراق استخدم في الأعم الأغلب لخدمة مصالح استعمارية بحتة بطنت بغايات علمية بحثية. ما أدى لحدوث مواجهة عنيفة بين إدوارد سعيد وكبير المستشرقين (بيرنارد لوس).‏

لم يقتصر الأمر عند (سعيد) على فضح حقائق الاستشراق, وإنما تابعها بحثه في الثقافة الغربية وأجندتها الخفية في كتابه (الثقافة والامبريالية) 1993م.فبين أن الرواية الغربية ما هي إلا نتاج ثقافة استعمارية وجدت من أجل تسويغ وتسويق فكر الاستعمار (فالمعرفة التي تحويها تلك الرواية تشكل سلطة هيمنة تظللها الليبرالية الإنسانية الغربية).‏

ساعده في الوصول الى هذه النتيجة قدرته الفذة على قراءة الشخصيات الروائية لدى الروائيين الغربيين الذين سعوا الى نشر الفكر الامبريالي عن طريق بث أفكار ليبرالية غربية.‏

إذاً .. أكد إدوارد سعيد على سلطة المعرفة أو قوة المعرفة (الثقافة),ما يشكل نقطة الوصل بينه وبين ميشيل فوكو أشهر فيلسوف فرنسي في القرن العشرين بعد سارتر.‏

وضح فوكو أن المعرفة هي بحد ذاتها قوة (سلطة) وأن هناك علاقة ديالكيتكية واضحة بين السلطة والمعرفة. تأثر إدوارد سعيد بفوكو وأعاد إنتاجه بطريقة تظهر أصالته الخاصة.‏

- مواقف (سعيد) الإنسانية العالمية النبيلة عادت عليه بصداقات رائعة مع قلة قليلة من المتنورين الذين جهروا بالحق,من أمثال:‏

المفكر والباحث اللغوي نعوم تشومسكي,أستاذ الكيمياء المتقاعد إسرائيل شاحاك,الموسيقار العالمي بانبويم الذي اشترك مع إدوارد باحياء عدة حفلات موسيقية هدفت للتعايش السلمي.‏

يقول ناقد اليوت المعروف (ديفيد مودي):(إن الجحيم لايتمثيل في الآخرين ,على حد قول سارتر,وإنما يتمثل في تصديق انطباعات الآخرين وتصوراتهم الوهمية عن حالنا التي يجهلون حقيقتها).‏

على هذا النحو دأب إدوارد سعيد في سبيل صون الحقيقة من محاولات تشويهها وتزييفها,مجسداً خير مثال للمثقف الحر,وهو الذي طالما قرن الثقافة بالحرية.‏

**‏

الكتاب :إدوارد سعيد,رواية للأجيال‏

المؤلف:محمد شاهين‏

الناشر:المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت.‏

دمشق-الدار الوطنية الجديدة 2005‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية