قامت مجموعة مؤلفة من 11 ضابطاً من حرس الحدود بقتل 49 مواطناً عربياً رمياً بالرصاص منهم أطفال ونساء, وإصابة 13 مواطناً آخر في ضواحي كفر قاسم.
وبأمر من الحكومة حظر قائد القوات المسلحة الإسرائيلية من نشر أي معلومات حول تلك المجزرة, لكن الزيارة التي قام بها عضوا الكنيست السابقين توفيق طوبي مير فيليز إلى كفر قاسم إبان حظر التجول فيها, كشف الستار عن هذا الحدث الجلل وحقيقته, وقاد إلى تنامي استنكاره وبروز ضغط شعبي, احيل على أثره عدد من ضباط الشرطة الذين ارتكبوا جرائم القتل وعلى رأسهم الكولونيل اساشار شامدي (قائد اللواء الذي أعطى أوامره بقتل المدنيين) على المحكمة العسكرية, حيث استغرقت محاكمته مدة تنوف عن سنتين, وقد جاء بقرار الحكم الذي أصدره القاضي بنيامين هالفي أن ضباط الشرطة نفذوا عمليات القتل بدم بارد ودون وجود أي مبرر لديهم, أما المسؤولون السياسيون كرئيس الوزراء ووزير الدفاع بن غوريون فلم تحدد مسؤولياتهم ولم يحقق معهم.
من سخرية القدر أن يعود التمييز العنصري للظهور بعد مضي خمسين عاماً على تلك المجزرة بانضمام ليبرمان (ذلك السياسي الذي رفض الاقرار بالحقوق المدنية للمواطنين العرب ودعا إلى طردهم من البلاد) إلى القيادة العليا في الحكومة الإسرائيلية.
لقد جرى تنفيذ مجزرة كفر قاسم تحت غطاء الحرب التي شنتها إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا على مصر التي اعتبروها آنذاك أنها تشكل (مركز الشر).
أما السخرية الأخرى فقد حصلت عندما أصبح ليبرمان عضواً في حكومة أولمرت حيث سارع للتصريح بضرورة تصعيد الحملة ضد محور الشر الممثل بإيران وغيرها من الدول, وتحت غطاء هذا التصعيد سيتسنى له تطبيق خطته العنصرية لتهجير عشرات الآلاف من المواطنين العرب.
يعتبر أولمرت أن ادخال ليبرمان وحزبه الفاشي الجديد إلى الحكومة منقذاً للتحالف المتعثر الذي يقوده, لكن تلك الخطوة لا تشكل في واقعها إلا الحكم بالموت على فرص السلام والديمقراطية والحقوق المدنية والإنسانية.
إن دخول ليبرمان إلى الحكومة يعتبر إساءة كبرى للسكان العرب إذ سيزكي نيران العداء, ويشرع التمييز العنصري ويلغي المواطنة لهم ويعرض وجودهم, (كأقلية قومية في إسرائيل) للخطر.
سيعد أولمرت ووزيرة الشؤون الاستراتيجية الجديد عدتهما لحرب قادمة لا نعرف أين توجهاتها فيما إذا كانت ستبدأ بغزة? أم إيران? أم سورية? فضلاً عما يحضران له من اغتيال مخطط للديمقراطية الإسرائيلية, وهما كزعيمين سياسيين ربما يستغلان الحرب القادمة لتشجيع ردود الأفعال المبالغ فيها لتحرير ميزانية ,2007 والمضي بعملية الخصخصة, وانقاص حقوق العمال, والقضاء على الرفاهية التي يعيشها المواطنون, فضلاً عما قد يقومان به من جريمة تشابه ما ارتكب في كفر قاسم.
لقد قتل في تلك المجزرة مواطنون مسالمون على يد مسؤولين بمعرفة ودراية من الإدارة الحكومية أولئك القتلى ليس لهم من ذنب ارتكبوه, وإنما تم الفتك بهم لأنهم من قومية أخرى أو لأنهم يعتنقون ديناً خلاف دينهم, وعليه فإن ما حدث يؤكد لنا انتفاء وجود الديمقراطية أو الحرية في هذه البلاد, ويبدو أن الأمس لا يختلف عن اليوم, حيث يتم تسمية شخص مثل ليبرمان وزيراً للشؤون الاستراتيجية, ذلك الشخص الذي يحتقر الديمقراطية وينظر إليها كعقبة في تحقيق أهدافه.
الحملة الدعائية لليبرمان:
استخدم ليبرمان بحملته الدعائية في الانتخابات الأخيرة لغتين:إحداهما العبرية التي بث بها رسائل مهذبة, بينما قالت رسائله بالروسية بأن: (الرجل القوي للأشخاص الأقوياء). إن تعبير الرجل القوي الذي استخدمه ليبرمان لا يعني به الصفات الجسدية, لكنه أراد بهذا التعبير أن يشير إلى نفسه بأنه سيكون الديكتاتور الإسرائيلي الذي يستطيع بأسلوبه الفاشي تنظيم البلاد وتعزيز عملية التطهير العرقي.
إن تلهف ليبرمان للانضمام إلى حكومة (بقيادة أولمرت) تضم وزراء من حزب العمل بعد أن رفض حزب (إسرائيل بيتنا) الاشتراك بها عند تشكيلها, يؤكد لنا أن عدم انضمام ليبرمان لهذه الحكومة (منذ تشكيلها) ليس من قبيل الصدفة, وإنما كان انتظاراً لما ستتعرض له من ضعف لينقض عليها ويفرض شروطه.
لقد شعر ليبرمان بتداعي وضع الحكومة عبر فقدانها ثقة الشعب لذلك قرر الانضمام إلى التحالف, واشغال منصب وزارة الشؤون الاستراتيجية ما يمكنه من الهيمنة على هذه الحكومة وأجهزتها.
وانضمام ليبرمان يمثل العقاب على ما ارتكبته الحكومة من ذنوب: كمغامرتها في لبنان, وإلغاء مفاوضات السلام, وسياسة تعميق الفجوات الاجتماعية, وتهميش القطاعات النامية في المجتمع الإسرائيلي, تلك الأمور مهدت الطريق لوزير الشؤون الاستراتيجية الجديد لخوض معارك لا متناهية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وبذلك لن يتورع ليبرمان عن التلويح بإعلان (حالة الطوارئ) المخضب بالدم والذي حدثت تحت لوائه مجزرة كفر قاسم قبل خمسين عاماً.
سيكتشف عمير بيرتس وقيادة حزب العمل الثمن الذي سيدفعانه لعدم وقوفهما بوجه دخول ليبرمان إلى الحكومة, وقد بدأ هذا الثمن يظهر جلياً عندما صرح ليبرمان بأن كل شيء سيتغير في الحكومة وسيكون لديه الأكثرية فيها. إزاء ما تقدم من واجبنا جميعاً مقاومة هذه الحكومة القديمة - الجديدة, والدفاع عن الديمقراطية الإسرائيلية وأن نناضل سوية يهوداً وعرباً من أجل الحقوق المدنية والمساواة الحقيقية.