بعد أن علا ضجيج أصوات الصحون والملاعق.. وطغت رائحة النراجيل واللحم المشوي والصاج.. الجميع هناك (ليتسلى ويأكل ويغير جو)..
وفي الطرف الآخر وعلى أرصفة دمشق الحديثة.. لم يعد هناك مساحة لخطوة واحدة بعد أن تزاحمت طاولات وكراسي حيث الشباب هناك (بدها تاكل لقمة عالسريع).
علاقة يومية باتت من أولويات الشباب.. علاقة مكلفة تزيد من أعبائهم المادية ولكن (من حقنا ننبسط شوي) حسب وصفهم و(شوفيها هالدنيا)..
خبز أمي
بما أنه شاب عازب يعيش بعيداً عن أهله.. اعتاد ارتياد المطاعم فبات دخوله إليها يأخذ الطابع الآلي والسريع.. فعلى عجل يأكل وجبته ويخرج.. هذا ما قاله حسن (33 عاماً) ويتابع:
لا اتذكر أنني قصدت مطعماً دون غيره بسبب تميز وجباته.. فأنا لا أجد فرقاً بالطعمة حتى إنني لا أفرق بين مطعم شعبي ومطعم حديث فحسب الجو و(الشلة) التي أكون معها اختار المطعم, أما عندما أكون وحيداً فإنني حتماً اختار المطعم الأقرب, وأنا من الناس الذين يقصدون المطعم فقط للأكل دون التسلية فالتسلية لن تكون بمكان يعج بروائح الطعام وضجيج الصحون والأشخاص..
اعتاد حسن على الوجبات السريعة, حتى إنه لم يعد يحن إلى قهوة أمه ولا إلى خبزها.. حيث يقول:
بصراحة أمي طباخة عظيمة لكني للأسف اعتدت على تناول الوجبات الجاهزة.. فحتى عندما أزور أهلي لا استمتع إلا بتناول تلك الوجبات التي رافقتني منذ زمن..
القصة قصة جو
على عكس حسن تماماً ترى بيسان عبد الرزاق (23 عاماً) أن المطعم فسحة للتسلية والمرح مع الأصدقاء بعيداً عن أجواء المنزل.. فتقول بيسان: أحب المطاعم جداً وخاصة عندما نكون شلة ظريفة متفاهمة وتجمعنا وجهات نظر مشتركة, ولا أهتم كثيراً بنوع الأكل رغم أنني أعلق وأتذوق وأحاول اكتشاف البهارات والمواد المكونة للوجبة.. حتى إن الأمر بات مدعاة لتعليق صديقاتي وفرصة جديدة لنضحك أكثر.. وكلما كنت سعيدة أكثر كلما تناولت الأكل بشهية أكثر حتى لو لم يكن لذيذاً, فالطعام يستمد نكهته من نكهة الجو المحيط به, ولا أعتقد أنني مهما كنت أتضور جوعاً أن أدخل المطعم وأتناول الطعام إذما كنت وحيدة, لأنني لن استطيع ابتلاع أي لقمة حينها.
تطبيق وبلوتوث ونشاز
(لا أطيق المطاعم ولا أجواءها..) هذه كانت ردة فعل داني (22 عاماً) ويتابع بملل:
(مشان الله.. المطاعم فقط من أجل أن يطبق هذا الشاب تلك الفتاة, تلك الفتاة تضحك لذلك الشاب.. إضافة إلى غلاظة البلوتوث ومشكلاته).
ثم يضيف بنزق: (والأسوأ هي موضة الشاشات التي تعرض أرخص الكليبات وأكثرها هبوطاً.. إضافة إلى كمية النشاز التي تصب في الأذن من نانسي عجرم ومشتقاتها..).
يتابع داني: ففي ظل هذه الأجواء كيف للإنسان أن يتناول طعامه وأن يتحدث مع صديق له.. فهذه الأجواء برأيي غير مناسبة للتسلية ولا (لتغيير الجو).
وجبة روحية
آخرون كانت المطاعم بالنسبة لهم بمثابة غذاء لروحهم من خلال إرضاء غرورهم.. فأخذت الظاهرة لديهم دوافع استعراضية, وهذا ما يخبرنا به محمد يامن (29 عاماً): نحن نحب من يدللنا ويكفي الاهتمام والاحترام الذي نحاط به, خاصة عندما نستقبل (بأهلين أستاذ) ونودع بحفاوة وترحيب..
وطبعاً هذا كله مأجور ولكن نحن ندفع المال بكل سرور يعني (حق الدلال) واعتقد أن هذا هو الهدف الأساسي من ارتياد الشباب المطاعم, وهذا أهم بكثير من الأكل ونوعه..
ويتابع ضاحكاً: حتى عندما أصطحب خطيبتي فأنا أختار مطعماً اعتدت ارتياده حتى أظهر أمامها بمظهر (الكينغ).
ضرورة لا بد منها
(تغيير الجو أمر ضروري جداً ولابد منه) هذا ما تراه غدير (23 عاماً) التي تتابع بحماس:
أحب المطاعم التي تتميز بإطلالة, أو تلك التي تكون حول المسبح, أما تلك المطاعم التي تفتقر لروح المكان والمناظر الجميلة والمساحات فلا أحبها ولا أفكر بارتيادها عادة, فالإنسان ليس بحاجة للأكل فقط ليعيش فالمتعة والترفيه هما الحاجة الملحة لتجديد نفسيته, وليبدأ يومه من جديد..
انتقام ذاتي
لكل أسبابه, لكن هناك من يدفع ماله (جكارة بالفقر) حسب وصفه.
محمد (23 عاماً): شو ناقصنا.. نحن أيضاً بشر والمطاعم لم تعد حصراً على طبقة الهاي كلاس.. فنحن أيضاً ناس ونأكل وندفع فاتورتنا.. الفرق أنهم يأكلون الكوردون بلو بينما نحن (منمشيها) بصحن فول, لكن المهم أننا نعرف أن نجلس في مطاعم, وما حدا أحسن من حدا.
عايدة (28 عاماً): أنا أعمل كموظفة براتب شهري متواضع جداً ومع ذلك أنا وزميلاتي بالعمل نخصص يوماً في الشهر نرتاد به مطعماً ما لتناول وجبة الغداء.. صحيح أن الأمر مكلف لكن (جكارة) بالفقر والتعتير نذهب ونفرفش ونأكل وأحياناً قد يكون الطعام غير لذيذ لأننا نتذوق وجبات لا نعرفها إلا من خلال أسمائها المعلنة على لائحة الطلبات في المطعم لكننا نجربها من باب الفضول, ونضطر لدفع فاتورة كبيرة ومع ذلك نشعر بالسعادة لأننا قمنا بالتجربة, فالإنسان لن يعيش سوى مرة واحدة و(شوفيها الدنيا).
alloshmalas@yahoo.com
">
alloshmalas@yahoo.com