يصرخون إنهم باقون على أرضهم صامدون رغم كل التضحيات والخسائر..وتحقق النصر الأول لأبناء فلسطين على الأرض الفلسطينية في أكبر مواجهة مع الجيش الإسرائيلي منذ النكبة عام 1948.
في هذه المرة لم يختلف المحللون والمراقبون كثيراً خلال نتائج هذا العدوان على غزة، وخاصة أن تقييم نتائج عملية عسكرية يخوضها جيش نظامي مدرب تدمير واحتلال منطقة جغرافية محددة وفرض واقع جديد عليها لابد أن تحسم بالنتائج التي تحققت عملياتياً على الأرض في البعد التكتيكي العملياتي أو سياسياً في البعد الاستراتيجي لهذه العملية..
لذلك كان الاعتراف الإسرائيلي بالفشل سريعاً وقبل أن تتشكل لجان التحقيق لهذا الغرض، فقد أجمع المحللون العسكريون والسياسيون أن إسرائيل لم تحقق الأهداف التي شنت العدوان من أجلها، كما أنها خسرت مواقع سياسية كانت بحوزتها وبالتالي فشلت عسكرياً وسياسياً.. وإذا قيّمنا هذه الحرب حسب نظرية المفكر العسكري الاستراتيجي كلاوز فيتس حيث يقول «إن الغرض السياسي هو الهدف الأساسي من الحرب والحرب ما هي إلا وسيلة للوصول إلى هدف سياسي» فتكون نتيجة هذه الحرب (العدوان) هزيمة مؤكدة لإسرائيل لأن حماس انتصرت سياسياً على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، كما انتصرت عملياتياً على الأرض لأنها حافظت على مواقعها وقواتها وقدراتها الصاروخية، وفشلت إسرائيل رغم تحضيرها المسبق للعملية قبل أكثر من سنة ونصف وتنفيذ مشاريع وتدريبات على سيناريوهات تشابه الواقع على الأرض في غزة، كما استفادت من خبرات حرب لبنان في عام 2006 ...لذلك انتقد المحلل العسكري في صحيفة معاريف 20/1/2009 (عوفر شيلح) رئيس وزرائه أولمرت فأكد أنه لم يتعلم شيئاً من حرب لبنان الثانية، فقد واصل القتال من دون أي فائدة وكان بإمكانه توفير حياة الجنود ووقف القتل الجماعي للأبرياء الذي يهددنا أكثر من أي شيء آخر وقال شيلح: إن وزيرة الخارجية لم تطالب بنهاية مبكرة للقتال رغم قناعتها بخسارة تل أبيب فيها، واصفاً كلاً من باراك وليفني بالرجل والمرأة اللذين ساعدا حماس في هزيمة تل أبيب. أما الصحفي دافيد غروسمان في صحيفة هآرتس 21/1/2009 فقال:«إن الحرب في غزة لم تجلب لنا الشفاء في المكان الذي نحتاج فيه بشدة إلى الدواء بل فقط كشفت بقوة أعظم خطأ التوجه المأساوي المتواصل عندنا..»
ويبدو هذه المرة أن القلق الإسرائيلي كان واضحاً.. فإذا كانت مجموعة من المقاومة في أرض محتلة ومحاصرة منذ نحو سنة ونصف قد صمدت وانتصرت فكيف لو امتدت هذه المقاومة إلى كل الأراضي الفلسطينية وهي مرشحة لذلك فماذا سيحل بإسرائيل...؟!
لذلك قال الصهيوني أفيغدور ليبرمان لإذاعة إسرائيل في 21/1/2009:«إن عملية غزة لم تدمر حماس وإنما جعلت منها لاعباً مهماً في المنطقة، ورأى ليبرمان أن حماس لن تستمر على وضعها وأنها ستكون أفضل من حزب الله في غضون عام ..وستصل صواريخها إلى تل أبيب.
أما المعلق السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت روني شاكير فقال: «إن وقف إطلاق النار يعيد حماس إلى السلطة في غزة رغماً عن أنف أولمرت وباراك وليفني»
وعلى صعيد آخر فقد أظهرت هذه الحرب (العدوان) مدى الهمجية والبربرية الإسرائيلية في جرائمها ضد المدنيين العزّل والأطفال والنساء، ما حرك الضمير العالمي والإنساني وشكل دافعاً لعدد من الدول لتغيير موقفها من العلاقات مع إسرائيل وخاصة كما فعلت فنزويلا وبوليفيا وتركيا وموريتانيا وقطر وحتى فرنسا التي ستبدأ حواراً مع حماس، كما أصبح حكام إسرائيل مطلوبين للمحاكم الدولية كمجرمي حرب ضد الإنسانية لما ارتكبوه من جرائم في غزة...
من جهة أخرى وبعيداً عن الأهداف المعلنة لهذا العدوان اتضح أن إسرائيل كانت لها أهدافها الاستراتيجية البعيدة وهي كما صرح بها «دان سيفنون» رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا، حيث قال في صحيفة يديعوت أحرونوت في 15/1/2009 :«ليست حماس ولا غزة ولا القسام هي أهداف الحرب ومعيار نجاحها في غزة...نحن نحارب للبت بمصير التطرف بالمنطقة وأسطورة المقاومة...هذا ما يعرفونه جيداً في طهران وبيروت ودمشق» ومقابل هذا الهدف المبيت جاء الرد الشعبي العربي قوياً وواضحاً حيث وقف الشعب العربي بكل عواطفه مع المقاومة وتقدم طوابير من الشباب في كثير من الدول العربية للتطوع للقتال مع المقاومة إذا سمحت الظروف، وتوج الرد العربي باجتماع القمة الطارئة في الدوحة بحضور الدول العربية والإسلامية المؤيدة لموقف المقاومة والتي اتخذت مقررات مهمة كان لها بالغ الأثر في وقف القتال والإسراع بتصحيح الموقف العربي في مؤتمر الكويت.. وختاماً نقول:إن هذا العدوان أكد على قدرة الشعب الفلسطيني في أرضه والانتصار على آلة العدو مهما كانت قوية كما بدا واضحاً أن الكيان الصهيوني يسير من فشل إلى فشل آخر وأن هزيمته أمام المقاومة في غزة أقسى من هزيمته في لبنان عام 2006 ، وإذا كان الجيش الإسرائيلي اطمأن إلى حماية حدوده الشمالية من حزب الله بقرار دولي أبعده عن الحدود لن يستطيع هنا أن يهرب من مستقبل المقاومة الفلسطينية على أرضها إذا اتحدت فصائلها وهبت من جديد لمقاومة جيش الاحتلال ولن يكون أمامه غير الاختباء وراء الجدار الاسمنتي العازل وحماية مستوطنيه الذين سيمضون أوقاتهم في الملاجئ...