واليوم ، وبعد العملية العسكرية التي قامت بها اسرائيل في قطاع غزة ، تثار المزيد من القضايا الخاصة بارتكاب جرائم حرب خلال هذه العملية، الامر الذي يدفع اسرائيل وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان على حد سواء الى مضاعفة استعداداتها لمواجهة احتمال رفع المزيد من القضايــــا المحتملــة ضد الضباط العسكريين والقادة السياسيين الإسرائيليين، في أوروبا، وانحاء العالم الأخرى.
وعوضا عن المحاكم الدولية، من الممكن أن تنظر المحاكم الأوروبية الخاصة بهذه القضايا وهي المحاكم التي تعتمد نهجا قانونيا يعرف باسم نهج العدالة العالمية، الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي الجرائم والتعذيب خارج حدودها.
وبينما ينظر الإسرائيليون إلى هذه التهديدات باعتبارها جزءاً من حملة سياسية متواصلة لمطاردة مسؤوليها المتهمين بالخروج على القانون، يعتقد الفلسطينيون والناشطون في مجال القضايا الإنسانية، ان هذه المحاكم المحلية هي المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله تحديد ما إذا كانت هناك جرائم حرب قد ارتكبت أم لا.
وفي تعليقه على ذلك ،يعلقدانييل ماتشوفر وهو محام بريطاني إسرائيلي المولد يعمل بالتنسيق مع مركز حقوق الإنسان الفلسطيني ومقره غزة، ان الأنظمة المستخدمة بالفعل في عدد من الدول سيتم فحصها وثمة فرق قانونية تعمل عبر أوروبا وما وراءها يمكنها أن تقوم بذلك. ويضيف: ليس هناك طريقة أخرى يمكن بها لبلد تحــت الاحتــلال أو أرض تحــت الاحتـــلال أن تسعى للعدالة . وقام ماتشوفر بدور في عرض قضية اغتيال إسرائيل للقائد العسكري لـحماس صلاح شحادة عام 2002 في عملية قتل فيها 12 مدنيا فلسطينيا آخرين في ضواحي غزة أمام المحاكم الإسبانية. وقبل ايام أعلن قاض إسباني فتح تحقيق حول هذه القضية وهو ما أثار توترا بين إسرائيل وإسبانيا.
وبعد أن وجدت نفسها مطاردة بسلسلة من الاتهامات بشأن استهداف مواقع مدنية وعدم السماح بإخلاء أفراد غير مقاتلين، أعادت الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة التأكيد على التزامها بتقديم دفاع قانوني لجنودها وسياسييها المتورطين في هذه القضايا، كما قررت أيضا عدم الكشف عن هويات هؤلاء الجنود لحماية أكبر عدد ممكن منهم من المحاكمة.
وقد لقي ما يزيد عن 1300 فلسطيني مصرعهم في قطاع غزة، كما أصيب آلاف غيرهم في عملية الرصاص المسكوب الإسرائيلية التي استمرت ثلاثة أسابيع نسبة كبيرة منهم مدنيون. وخلال تلك العملية لقي 13 إسرائيلياً فقط مصرعهم (عشرة عسكريين وثلاثة مدنيين). في خطابها الأول كسفيرة للولايات المتحدة الأميركية في المنظمة الأممية دعت سوزان رايس إسرائيل الى التحقيق في سلوك جيشها خلال حرب غزة ، كما اتهمت حركة حماس بارتكاب انتهاكات بقيامها بإطلاق الصواريخ ضد المدن الإسرائيلية والعمل انطلاقاً من مناطق مدنية في قطاع غزة.
ان قيام إسرائيل بإجراء تحقيق من جانبها أمر غير محتمل، وذلك بسبب اقتناع معظم الإسرائيليين أن جيشهم بذل قصارى جهده للحد من الأذى، الذي يمكن أن يتعرض له المدنيون.
والمفارقة ان إسرائيل كانت من أوائل الدول التي استشهدت بمبدأ العدالة الدولية عندما أكد نظامها القانوني على حقها في محاكمة القائد النازي أدولف هتلر على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها خلال الحرب العالمية الثانية. مع ذلك، لم يشترك الإسرائيليون في المعاهدة التي تم على أساسها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مما يجعل من الصعوبة بمكان رفع دعاوى تتعلق بجرائم حرب عبر هذا المنبر. ولعل هذا يفسر السبب الذي جعل معظم التحديات التي تواجه المسلك الإسرائيلي، تأتي من قبل المحاكم المحلية في أوروبا بدلا من المحاكم الدولية.
ويقلل أحد الخبراء القانونيين الإسرائيليين من شأن الجهود الرامية لإجراء محاكمات للمسؤولين الإسرائيليين المتهمين بجرائم حرب في الخارج معتبرا ذلك مجرد امتداد للحرب الأعلامية التي تُشن ضد الدولة اسرائيل بسبب عملية غزة. ويقول دنيال رايسنر الرئيس السابق للقسم الدولي التابع للجيش الإسرائيلي، إن الصلاحية القضائية الدولية تستخدم لمتابعة الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل وحدها وليس ضد حماس. مـــع ذلــــك يؤكــــد رايسنر أن هنـــاك خطراً لا يزال يواجه إسرائيل، وأن هذا الخطر يأتي من>الدول التي تتمتع بصلاحيات قضائية متجاوزة لحدودها والسؤال هو: هل يمثل ذلك خطرا كبيراً على إسرائيل أم خطرا صغيرا؟ .
ونذكر في هذا الصدد أن محكمة بلجيكية نظرت عام 2001 في إمكانية إدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون بسبب الدور الذي لعبه في المذابح التي ارتكبت أثناء الغزو الإسرائيلي لبيروت عام 1982 . وينبغي ان نشير الى ان التطبيق الواسع النطاق للصلاحيات القضائية العالمية من خلال محاكم وطنية تابعة لطرف ثالث دون أن يكون لهذا الطرف أي روابط بمرتكبي أو ضحايا جرائم الحرب، هو تطور حديث نسبيا يقول بعض الخبراء الأوروبيين إنه لم يكتسب زخما بعد.