سددت الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في العاشر من الشهر الحالي ضربة موجعة إن لم تكن القاضية لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، كما نصبت حاجزاً في طريق أوباما يمكن أن تعرقل رغبته في بناء معبر إلى العالم العربي - الاسلامي، لقد فتحت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأبواب على إمكانية حدوث مواجهة بين رغبة باراك أوباما ورغبة بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود الذي يستطيع ضمان 65 نائباً ليكون على رأس تحالف حكومي وبالتالي هو الأوفر حظاً لمنصب رئيس الحكومة وفي هكذا مواجهة فإن المعركة صعبة المنال بالنسبة لرئيس أميركي جديد.
ولم تكن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تندرج ضمن علاقة قوة عظمى مع دولة تابعة لها، بل إنها تتعلق بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة أكثر منها بالسياسة الخارجية، ومن أجل الدفاع عما تعتبره مصالحها الحيوية لم تتوان إسرائيل البتة عن التلاعب والتجسس وتهديد سيدها وحتى إملاء شروطها وخياراتها، وهكذا أقدمت عام 1967 على مهاجمة سفينة ليبرتي الأميركية اعتقاداً منها أن مراقبة الولايات المتحدة تحد من توسع إسرائيل.
في كل الأحوال لقد أعدت إسرائيل منذ عشرات السنين لمثل هذا الوضع الذي تواجهه الآن، وهو انتخاب رئيس أميركي يحاول انتهاج سياسة توازن في منطقة الشرق الأوسط ومن جهته سيبدي نتنياهو تشدداً في مواجهة الرئيس الأميركي ورغم أنه يعلم إلى أي درجة ترتبط بلاده بالولايات المتحدة ولكن دون أدنى شك سوف يستخدم كل دهائه وألاعيبه من أجل الحيلولة دون تحقيق ما هو منتظر من أوباما بشكل واقعي في الشرق الأوسط ولن يتردد نتنياهو في الإمساك واللعب بكل الأوراق الرابحة التي تملكها إسرائيل في أميركا ومنها دعم الكونغرس القوي لها وعلى صعيد السياسة الإسرائيلية تعتبر تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما الزعيم المنافس الوحيد لنتنياهو ولكنها لا تستطيع ضمان أصوات أكثر من 55 نائباً بدلاً من 61 نائباً لضمان الأغلبية لها في الكنيست وبالتالي فإن فرصها في تشكيل حكومة ضعيفة جداً، والأسابيع القليلة المقبلة ستكون مكرسة للسمسرة المعتادة مثل: المقايضة مع العديد من الأحزاب الصغيرة مقابل مزايا مختلفة تحصل عليها ومن الممكن جداً ألا يكون أمام شمعون بيريز خيار آخر سوى تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة فيما حزب العمل بزعامة إيهود باراك أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات والذي لم يحصل سوى على ثلاثة عشر مقعداً وعليهم الآن التموضع في صفوف المعارضة. بينما حزب ميرتس الوحيد الذي ذكر السلام مع الفلسطينيين في حملته الانتخابية فإنه لم يحصل سوى على ثلاثة مقاعد وهذا مؤشر فاضح إلى أي درجة باتت إسرائيل ترفض السلام.
والسؤال: ما ورطة الولايات المتحدة في ذلك؟ قطع أوباما وعداً بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وقد أكد إلى جانب هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته بشكل صريح أنه يفضل اختيار حل إنشاء دولتين، ويعتبر جورج ميتشل المبعوث الخاص للرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط تجسيداً بشرياً لهذه السياسة وكذلك أعربت الأسرة الدولية المتمثلة بالاتحاد الأوروبي والدول العربية وروسيا وتركيا والأمين العام للأم المتحدة بان كي مون عن تمنياتهم بالسلام، ولكن نتنياهو صرح ضمنياً أنه يرفض حتى مبدأ الأرض مقابل السلام ويعارض أي تنازل عن الأرض سواء أكان مع الفلسطينيين أم مع سورية، كما ويرفض تناول مسألة القدس ومنذ اسبوعين قام بغرس شجرة في مرتفعات الجولان في إشارة منه إلى أن هذه الأرض السورية تعود قطعياً إلى إسرائيل ووعد نتنياهو زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفغيدور ليبرمان من اليمين المتطرف والذي نادى بطرد العرب من فلسطين وهو الحليف الرئيسي له بإسناد وزارة مهمة له في تشكيلته الحكومية.
ويعزو المراقبون سبب اتجاه الناخب الإسرائيلي لاختيار اليمين المتطرف إلى الصواريخ الفلسطينية التي جعلت الخوف يسكنهم وكذلك الحرب على غزة، الخوف من العدو الخارجي والخوف ممن يعتبرونه عدواً داخلياً وهم العرب الفلسطينيون البالغ عددهم 1،2 مليون نسمة من فلسطين يصفهم العنصريون من أمثال ليبرمان بالطابور الخامس ، كما بالغت إسرائيل إلى حد الهستيريا بمخاوفها من إيران ، وما تشكله على حد زعهما من تهديد لها وكذلك حزب الله وحماس، وقد حاولت إسرائيل تدمير حزب الله عام 2006 وتدمير حماس عام 2008 وفي كلتا الحالتين لم تجد نفعاً آلتها الحربية التي راح ضحيتها السكان المدنيون بل إن حماس وحزب الله أصبحا أقوى على الأقل على الصعيد السياسي، وفيما يتعلق بإيران في قناعة الإسرائيليين أن برنامجها النووي يشكل خطراً وجودياً عليها حتى ولو كانت تستطيع بما تملكه من ترسانة نووية تبلغ 200 قنبلة نووية محي إيران من الخارطة فيما لو فكرت في استخدام سلاحها النووي.
في الواقع ان المخاوف الإسرائيلية ليست منطقية وموضوعية وهي وليدة رغبتها بتأكيد هيمنتها العسكرية التي حافظت عليها لمدة ستين عاماً، فإسرائيل لم تعتد على مواجهة مقاومة، وهذا ما سيجعل مهمة أوباما مستحيلة ولاسيما أن إسرائيل غير مستعدة لسماع صوت العقل.