المغلف في كتب الرمل
قلبي أنا. وليس قلبك هذا العليل
الشاعر محمد الفيتوري
(1)
*+* يخطر في بالنا أحياناً أن نتمدد عُراةً على عشب الحقيقة، رغم قناعتنا أنّ الأشواك اللاذعة تندسّ فيها من حين إلى آخر، لكنّ قناعتنا تبقى راسخة أنها تنساب في حنايا صدورنا كالنهر الصغير، وربّما انضفرت في كلّ خلجة من خلجات أرواحنا أضاميم بنفسج ، هناك تستطيع العقول المنهكة بسياط الألم أن تجد فسحة من الوقت لتفرّ من الزمن العربيّ الرديء، زمن أخرس فيه الجسد الصوت وتربّع على عرش الغناء الفناء مكانه.
كيف تستطيع أن تعثر إذا أفنيتَ ضياعك على زاوية محشورة في تقوقعها على مكان للحب والفرح...؟...
فذاك استولى على قلب من تحب، على أنّ عملية الاستيلاء سُبِقتْ بقصف تمهيديّ مخيف كان نتاجه سقوط العواطف والمشاعر قاعاً صفصفاً على حطام الخيبة ، وهذا سرق لقمة خبزك وراح يلوك الدم المعجون بعرقها ذابحاً كلّ قطرة ضمير عجنتها بجمر الإصرار على الكدح الشريف ، وآخر يحدثك عن آخر التطورات العلمية وفي الوقت نفسه يشدّ لجام حماره ولعلّه يجهزه لاكتشاف كوكب جديد في المجموعة الشمسية، ويتحفنا بتفسيرات جديدة لانقطاع التيار الكهربائي!! مع أن الأجهزة (الإلكترونية والحواسيب) قدّمت استقالتها أمام عقله العبقريّ !!..
لم نجهّز الإنسان الذي أعدّ نفسه للتزوّد بمعارف وعلوم العصر ما دمنا قد قررنا الاستغناء عن خدماته سلفاً؟! .
ونتساءل: هل فكرتم أن تقننوا الإنسان على أنّ عملية تقنينه تساوي عملية اقتنائه، وتستدعي تكاليف باهظة من رصيد الشعور بالحدّ الأدنى من إنسانيته وهي تكلفة لا نستطيع تحمل أعبائها..!!؟
ولنحاول مرحلة أخرى اقتحام بوابة العصر ودخوله من الباب لا من النافذة، واتخذنا عزماً وفكرنا بصنع قبقاب يمشي على المازوت مع احترامنا للبنزين.. والكاز زاد الله في سعره أكثر..
قلنا:
أن نصنع قبقاباً لنصعد به إلى القمر ما دام غبار الأرصفة –التي تتغير كيف لا نعلم- والمسامير الملونة التي اخترع فكرتها مهندس بارع!!
والساحات التي طال إنجازها قد أكلت نعالنا وإطارات سيارات أصدقائنا المستعارة و(تقيأنا القمر، ولم نتقيأ الغبار) ونتباهى، متهمين الشاعر بالتخلف عن اللحاق بركب العصر
إذا بلغَ الفطام لنا صبيٌّ
تخرُّ له الجبابر ساجدينا
(2)
نفتح التلفاز فنفاجأ بإعلانات عن مساحيق للغسيل ونسكت،ومن يدري فقد تكون عقولنا بأمسّ الحاجة لمسحوق جديد يسحق كلّ ما فيها من جبال التشبث بالخطأ والدفاع عنه حتى الثمالة؟!.
فالثياب قد تكون أولى المعجزات التكنولوجية لأنها حجبت تجاعيد الجسد، وكُلَّ تجاعيد الروح منذ أن اكتشف الإنسان وجهه الآخر، والآن ماذا نفعل بتلك المرايا التي قررنا تكسيرها بعد أن جعلتنا نواجه الذات ونصطدم بجبال جليدية هي خوفنا من المواجهة؟...
(3)
وبعد يا أمتي التي دخلتْ في سرداب الدهشة وأصرّت على الإقامة فيه!
رجل المواهب الذي يصرّ على حمل جواز سفر نقش اسمه فيه بلسان الضاد الذي لم يعد يجمعنا قد خرج للتوّ من أحد كهوف الغيب، وسمّى نفسه رئيس تحرير صحيفة تستخدم الحبر السريّ في مقالاتها ولا تدري أنّ اسمه الحركيّ هو السمّ الزعاف. عشنا إلى زمن صار فيه مثل هذا يلقي علينا دروساً في العرب والعروبة!.
(4)
هذا الليل المحلولك لم يمنعنا من فتح أبصارنا لاستشراف نجمة قادرة على هتك حجاب الظلام، اشرأبّت إليها الأعناق في العتمة، فانبلجت أسارير الكواكب وانفرجت قسمات وجوهها، ولمسنا ثلج اليقين في نار الشكّ.
وتألقت فوق الشفاه جملة هي الرصاصة التي استهدفت صدر القنوط لتصيب منه مقتلاً.
يا شام.. أنتِ وردة الأمل..
وأصابِعُكِ وحدها تجعل قلبي صالحاً للاستعمال..