تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الإعلام العربي بعد أحداث 11 أيلول..تنـــــــامي الفضــائيـــات الدينيـــة وأصــــــوات المهمَّشــــــــــين

ثقافة
الأثنين 23-2-2009
سوزان إبراهيم

شهدت السنوات الثلاثون الماضية تطورات كبيرة على مستوى الصحافة والإعلام الذي انطلق منذ أيام العثمانيين في المنطقة العربية، لكنها بقيت تحت تأثير الإعلام الغربي ممثلاً بالشخصيات الأجنبية التي أقامت في المنطقة.

ومنذ خمسينيات القرن الماضي كانت البلدان الأوروبية والأميركية مصدراً أساسياً للبث الإعلامي في الوطن العربي، بهذا بدأ الدكتور عادل اسكندر الأستاذ المحاضر في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون بواشنطن، للدخول إلى فضاء محاضرته عن توجهات الصحافة في العالم العربي منذ عام 2001 وهي المحاضرة الرئيسية في ندوة أقامها المعهد الدانماركي بالتعاون مع السفارة الكندية في دمشق.‏

نهضة البرامج الوطنية‏

يعتقد الدكتور اسكندر أن الفترة الممتدة بين الخمسينيات ومنتصف الستينيات شهدت نهضة كبيرة في البث والإعلام في المنطقة العربية، وخاصة على مستوى البرامج الوطنية التابعة للحكومات، ما خلق ثورة إعلامية أطلق عليها اسم الفترة الانتقالية الإعلامية، فبرزت بعض الوكالات في البلدان العربية والجهات الإعلامية التي راحت تنفصل عن الجهات الإعلامية الغربية مثل راديو مونتي كارلو وصوت أميركا. في بداية التسعينيات بدأ بث المحطات الفضائية وتنوعت برامجها، فماذا عن التوجهات الجديدة للفضائيات والإعلام العربي في ظل ما تتميز به اليوم من فوضى ومنافسة بين المصالح السياسية الكبيرة لجذب الاهتمام العالمي العام والسيطرة على قوى الأرض.‏

المتلقي الفاعل‏

لم تقتصر النهضة في الإعلام العربي على زيادة البرامج الناطقة بلغات متعددة بهدف التوزيع خارج المنطقة العربية، بل شهدنا نهضة في التوجهات الإعلامية التي لم تعد تنحصر ببرامج من المنتج إلى المستخدم إذ بدأ الأفراد الذي كانوا يشكلون المتلقي الأساسي لوسائل الإعلام ليلعبوا دوراً حيوياً ما أثر على التفاعلات في العالم الإعلامي الجديد عبر شبكة الانترنت والمواقع الالكترونية والإعلام الخاص، الممتد على جغرافية أوسع إضافة للإعلام القائم على التحركات الاجتماعية كالشبكات الإخبارية المجتمعية، وبعد أن كانت أكثر الجهات الإعلامية انتشاراً تحصل على تمويل وتوجيه من قبل الدول والحكومات، صار لدينا اليوم صيغ جديدة لا يتم بموجبها التمييز بين النمط الإعلامي الوطني والخاص فثمة من يمول من خارج الحدود. ويمثل إعلام المناطق الحرة ذلك التوجه الذي سيساهم في خلق بيئة متزايدة من الاستقلال عن سياسات الدول والحكومات كما ازدادت وسائل الإعلام الخاصة بأعراق وأقليات ولغات محددة وكذلك ازداد التوجه العروبي للمحطات (مثل الجزيرة وأبوظبي) التي راحت تنأى بنفسها عن جداول أعمال الحكومات ما يورث صيغة عروبية جديدة للشكل والمحتوى. إلى جانب ذلك شهدنا تطوراً كبيراً للإعلام المتعلق بالجاليات والبعثات الدبلوماسية وصولاً إلى أكبر شريحة من الجمهور وتطوراً مماثلاً في البرامج الدينية وهي لا تقتصر على المحتوى الإسلامي فهناك أيضاً المحتوى المسيحي والعبري وغير ذلك.‏

غاية في التعقيد‏

لدينا اليوم بيئة إعلامية في غاية التعقيد -يقول الدكتور اسكندر- إذ لم يعد من الممكن استخدام التعريفات القديمة للإعلام وصار لا بد من التمييز بين الإعلام العربي وبين الإعلام باللغة العربية فهل يمكن اعتبار الجهات التي تبث من فرنسا أو أميركا أو إسبانيا والناطقة بالعربية جهات إعلامية عربية؟ وهل يمكن النظر إلى الشبكات التي تبث من العالم العربي بلغات أخرى (إنكليزية، فرنسية..) على أنها إعلام عربي؟!‏

اليوم يتواجد مزيج متنام من الإعلام في العالم العربي وهكذا بتنا نواجه مشكلة في تصنيف الإعلام العربي وثمة جدل يرتبط بالعلاقة بين المنظمات الإعلامية الحكومية ومثيلاتها الخاصة إلى أي مدى يمكن أن يكون ثمة ارتباط بينها؟ مازال تأثير الحكومات قوياً على الجهات الإعلامية لكنها مؤخراً باتت أقل سيطرة على الوكالات الإعلامية بسبب وفرة القنوات الفضائية.‏

محاكاة النجاح‏

يسوق الدكتور عادل اسكندر مثالاً عن حالة نجاح القنوات الفضائية مجسداً بقناة الجزيرة التي انطلق بثها عام 1996 حيث صارت الطريقة الوحيدة لضمان النجاح هي محاكاته (سنرى نسخاً مكررة عن برنامج الاتجاه المعاكس مثلاً على عدد كبير من الفضائيات العربية) إن استعارة نموذج إعلامي قد يخلق توجهاً لتطوير المحتوى وصياغة الأخبار وإيجاد نوع من المعايير الموحدة للأنماط الإعلامية لكن المنافسة أصبحت أشد مما سبق فتزايد التنوع، وثمة إشكالية بين التوجه إلى خلق معايير موحدة تساعد على توحيد القيم الصحفية وبين التنوع.‏

ثقافة المشاهير‏

يدعي بعض المهتمين أن الصحافة لا تحقق الكثير من العوائد المالية في العالم العربي ولم تكن من المهن المحفزة للاستثمار، ولكن ثمة أرباحاً اجتماعية، فقد تحول بعض الصحفيين إلى مشاهير، مع ذلك لا بد من توفير مزيد من الحوافز. وبما أن للصحافة مسؤولية اجتماعية لا بد من التركيز على القيم والمثل العليا والموضوعية والحيادية والنزاهة وتقديم السياق المناسب للأحداث وهذه إحدى نقاط التحول الأساسية في صحافة العالم العربي.‏

في جعبة السؤال‏

أثارت محاضرة الدكتور اسكندر الكثير من المداخلات والأسئلة حول أثر الشكل الجديد للإعلام العربي في دمقرطة المجتمعات العربية وهل أثر ذلك على فهم العالم الغربي لنا؟ وأكد المحاضر أن ذلك خلق نوعاً من قبول النقد العام وتوسع الطيف السياسي وأخذ الأصوات المهمشة مكانها في الحيز الإعلامي، لكنه يرى أننا لم نترك أثراً كبيراً في العالم الغربي، فما زالت وسائل إعلامه مصدراً رئيساً للخبر عن العالم العربي مؤكداً أن الحرب في غزة شكلت نقطة بداية للتحول إذ ومن خلال متابعته لتغطية الـ BBC لتلك الحرب دهش لمعالجة بعض القضايا بشكل مختلف.‏

الفضائيات الإسلامية‏

في مداخلته حول الفضائيات الإسلامية رأى الدكتور إيهاب كلال القادم من جامعة كوبنهاغن أن ثمة تزايداً في الخطابات الغربية حول الإسلام وتصنيفه بدأ يظهر عقب أحداث الحادي عشر من أيلول وأزمة الرسوم الكاريكاتورية، فصار الإسلام أصولياً أو معتدلاً أو متحرراً.‏

بدأت أول قناة دينية فضائية (اقرأ) بثها عام 1998 وفي عام 2003 وصل عدد هذه المحطات إلى خمس، وارتفع إلى سبع وأربعين فضائية بعد أزمة الرسوم عام 2006. في البداية كان الهدف من تلك الفضائيات تعليم المسلمين تقاليد دينهم عبر التلقين وتفسير النصوص وعرض تاريخ السيرة النبوية لكن ذلك الهدف تغير بعد 11 أيلول فظهر خطاب ديني جديد تنامت فيه نزعة الخطاب الإسلامي الدفاعي ورفض المسلمين للاتهامات الغربية للإسلام والمسلمين والربط بينهم وبين الإرهاب، أما بعد أزمة الرسوم فتوجهت برامج تلك القنوات إلى التركيز على كرم ونبل أخلاق الرسول (ص). أكد الدكتور كلال أن قسماً جديداً في جامعة كوبنهاغن سيطلق بالتعاون مع المعهد الدانمركي بدمشق سوف يعنى بالثقافات الدينية للإشراف على طلاب الدكتوراه في الإسلام والمجتمعات العربية والإعلام العربي وتزويد الإعلام الدانمركي بمعلومات حول الإسلام ويعتبر ذلك المعهد الوحيد في الدانمرك الذي يقوم بتدريس الإعلام العربي.‏

إعلام لا ينطق العربية‏

في مداخلة الدكتور مايكل فوغل اسكدجير من المعهد الدانمركي بدمشق تطرق لوسائل الإعلام غير الناطقة بالعربية حيث قام بدراسة حولها فاختار صحيفتين تصدران بالانكليزية في لبنان والأردن وتابع تغطيتهما لمؤتمر أنابوليس للسلام على المسار الفلسطيني عام 2007 ليخرج بنتائج هامة. يرى المحاضر أن هذا النوع من الإعلام يروج لقضايا وطنية (تغطية سورية للحدث تختلف عن تغطية دول عربية أخرى وفقاً للخط السياسي لكل منها) إنه يساهم في نقل الأجندات الوطنية وفي انفتاح الدول العربية على العالم لكن يتوجب التركيز على البعد الدولي للإعلام غير الناطق بالعربية عبر التخفيف من النبرة الوطنية والتوجه نحو النبرة الدولية. يعتبر هذا الإعلام نخبوياً حتى الآن فثمة عدد قليل من الصحف الناطقة بغير العربية.‏

سورية اليوم‏

في ختام الندوة قدم السيد جون داغ مدير تحرير مجلة syria today تعريفاً بها وبمناخ العمل وقراء (سيريا توداي) و قال: إنها تغطي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية المعاصرة وقد تأسست لردم الهوة الأساسية في المعلومات المتعلقة بسورية الحديثة وذلك عام 2004 وهي أول المجلات الناطقة بالانكليزية في سورية وقريباً نصدر العدد 47 منها، في كل عدد نركز على ناحية محددة كالسياحة أو التطوير الصناعي وغير ذلك وثمة إعلانات ترويجية للبلد. نقوم بتغطية ما يجري في سورية من وجهة نظر الإعلام الدولي والتركيز على مواهب الصحفيين السوريين والأجانب وهناك فريق عمل مكون من (11) شخصاً منهم ستة سوريين، يتبلور الهدف المحلي للمجلة برصد تطورات سورية بمساهمة أكاديميين ورجال أعمال اعتماداً على فكرة استثمار المهارات ومخاطبة الغرب وتقديم برامج تدريبية، أما الهدف الدولي فهو تقديم فكرة عن سورية وكل ما يجري فيها ليس لمجرد لفت الانتباه، بل بتقديم تحليلات وكذلك بعض الخدمات.‏

توزع (سيريا توداي) المجلة الشهرية على السفارات والقنصليات والمنظمات غير الحكومية وبعض المطاعم والجهات السياحية ويعتبر الجمهور السوري من النخبة والمثقفين شريحة من قرائها أيضاً، وتوزع على بعض المغتربين خاصة في بريطانيا وفي عدد من البلدان الأخرى ثم هناك موقعنا الالكتروني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية