تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في مؤتمر مجمع اللغة العربية: تجديد بلا تشويه وقرارات بلا تطبيق

ثقافة
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
هناء الدويري

تحت عنوان التجديد اللغوي تستمر فعاليات المؤتمر السنوي السابع لمجمع اللغة العربية بدمشق, لتأتي جميع عناوين الأبحاث المقدمة في هذا المؤتمر تحمل مصطلح (التجديد),

هذا التجديد الذي استلزمته كافة القطاعات والمجالات في ظل عالم متغير لا ينتظر أحداً وعلى اعتبار أن اللغة لم تعد وظيفتها الحاضن للموروث الفكري والثقافي والحضاري للشعوب وتعبر عن هويتها فقط بل أصبحت أكثر من ذلك بكثير, أصبحت بوابة عبور للشعوب لتصعد الركب الحضاري وتسير معه أو تبقى بمعزل عن المتغيرات التي تجري في العالم وبالتالي تعاني الانغلاق والعزلة والتخلف.‏

وإذا ما أردنا التجديد في اللغة العربية فيجب ألا يكون ذلك على حساب اللغة نفسها وإضاعة ما تم بناؤه على مدى قرون لأن هذه اللغة نفسها احتضنت حضارات وإرثاً ثقافياً وفكرياً شهد له العالم وهي ذات اللغة التي يعجز أبناؤها عن جعلها لغة عالمية, وفي بعض الأحيان يعجز عن الحفاظ عليها وهنا تكمن خطورة التجديد على أهميته, ولا يكفي انعقاد مؤتمر سنوي لعشرات الباحثين فقط ليعرضوا أبحاثهم بل يجب أن تكون هناك متابعة دائمة وجهود حثيثة على الأقل في تطبيق ما يقترح مع ما ينسجم ومتطلبات العصر وواقع كل بلد عربي, ففي الوقت الذي نسعى فيه للتجديد هنالك بلدان بحاجة ليتعلم أبناؤها العربية وبلدان أخرى تساير الركب الحضاري بغض النظر عن أهمية الهوية العربية التي تتجسد باللغة بالدرجة الأولى.‏

والجميل في كل الأبحاث المقدمة للمؤتمر حرص الباحثين الشديد على وضع حدود للتجديد أي أن هنالك قواعد لغوية /وهنا ليس المقصود نحوياً/لا يمكن تخطيها أو التعدي عليها وهذا ما أشار إليه الدكتور (عبد السلام المسدي) من تونس عندما عقد مقارنة مكتفياً بعلم النحو بين من اجتهدوا في العصر الحديث في تأويل بعض أبوابه مشيراً إلى أن تلك الاجتهادات قد تفتق عنها تباين جذري عميق ومن مخاطره أنه كشف عن رؤى تقديرية ألقت بظلال من الشك والارتياب حول المعرفة اللغوية الحديثة بينما هي من كل ذلك بريئة.‏

في حين نجد أن الاجتهاد خصيب مثمر كلما جال حول المعجم والمصطلحات وحول الترجمة وأساليبها وحول استثمار التقنيات المتطورة من الطباعة إلى الحاسوب وحول طرائق التعليم وآليات التلقين, وهذا ما أثاره الدكتور الباحث ( أحمد مطلوب) من العراق حيث وجد أن تجديد البلاغة أمر ميسر ويسعى إليه الدارسون لأنها تواكب الحياة وتعبر عن روح العصر ونموها في القديم ملمح من ملامح حيويتها وقدرتها على استيعاب ما يستجد فضلاً عن أنها لم تتوقف عند عصر الاستشهاد الذي تمسك به اللغويون والنحاة وإنما تجاوزته وواكبت الأدب, وفي البديعيات نصوص جديدة استمدها مؤلفوها من العصر الذي عاشوا فيه واستخلصوا منها فنوناً جديدة لم يقف عندها السابقون.‏

الدكتور مازن المبارك يجد أن التجديد ليس غاية في نفسه بل هو أمر يراد به الوصول إلى تغيير واقع لا نرضى عنه أو إلى نتيجة نسعى إلى بلوغها والغاية التي نرمي إليها في ميدان العربية هي السلامة في القراءة والسداد في الفهم إذا قرأ الطالب أو سمع والصحة في الكلام والقدرة على الإفهام إذا تحدث, الغاية بإيجاز فهم اللغة مسموعة ومقروءة وإفهامها منطوقة ومكتوبة.‏

وعن معاجم فصاح العامية وأثرها في التجديد اللغوي قدم الدكتور ممدوح خسارة بحثه مشيراً إلى أن جذور العامية قديمة في تراثنا اللغوي وتمتد إلى ما قبل عصر المولّدين وقد استطاعت معاجم فصاح العامية أن تؤثر بشكل فعّال في الحفاظ على الصحيح من كلم العربية وألفاظها وفتحت الباب للمولد السليم من مستلزمات العصر, وأغنت المعاجم اللغوية بالدلالات المتطورة المستجدة والأهم من كل ذلك أنها أهم وسيلة لتقريب مستوى الخطاب اليومي الشفاهي من مستوى الخطاب البياني الكتابي, مع الإشارة إلى أنه قد لا يصح دائماً ما يذهب إليه مصنفو المعاجم في تعريب العامي من الفصيح لكن الاحتكام الدائم للقواعد اللغوية الصرفية والدلالية وتفعيل الأصول النحوية كل ذلك يشكل ثقافة لغوية يفيد منها قارئ معجم فصاح العامية وهذا يجعلها وسيلة من وسائل التثقيف اللغوي لغير المختصين بالعربية على الأقل.‏

ولما كانت اللغة لا تقتصر على المفردات بل تتعداها إلى التجمعات اللفظية التي تتمثل في التراكيب والعبارات, كان لا بد من صناعة معاجم تعنى بالتجمعات اللفظية العربية وهذا ما بحثته الدكتورة وفاء كامل فايد من مصر موضحة أنماط التجمعات اللفظية وأنواعها وجمعها بمصادر معجمية عربية عند محاولة إنشاء مصادر محوسبة والانطلاق من تصور لساني نظري فيما يخص طبيعة التجمعات اللفظية وأنماطها المتنوعة ومتطلبات معالجتها معجمياً على أن يتوازى ذلك مع الجانب التطبيقي من خلال اعتماد مدونة لغوية ضخمة تستخلص منها التجمعات اللفظية في سياقاتها النصية ثم تأتي المعالجة المعجمية لها تحليلاً وتمثيلاً.‏

وحول جهود المحدثين في قواعد الإملاء قدم الدكتور يحيى مير علم بحثاً وجد فيه أن تلك الجهود على اختلاف صورها المتقدمة وعلى وفرة عددها وتباين حجومها وتنوع أهدافها وغاياتها سواء أكانت لقواعد الإملاء أم تيسيراً أم تجديداً لم تسلم من النقد ولم ترق لأن تكون معيارية أو موحدة ولم تأخذ طريقها إلى التطبيق والتنفيذ ولم تكن شاملة لأنها لم تستغرق جميع أبواب قواعد الإملاء وقضاياه ومشكلاته, وإن كان هدف الباحثين واحداً وهو تحقيق المطابقة بين المنطوق والمكتوب واللغة العربية كغيرها من اللغات تفتقر إلى تلك المطابقة.‏

ويجد الدكتور يحيى مير علم أن التوصل إلى قواعد موحدة ومعيارية للإملاء العربي هو غاية مهمة بل استراتيجية يجب تحقيقها على نحو مختلف عمّا سبق من جهود المحدثين هيئات وأفراداً, فالعربية ملك لجميع الناطقين بها ولن يتحقق ذلك إلا بوجود إيمان بضرورة توحيد قواعد الإملاء العربي وعزيمة صادقة وماضية لدى المعنيين, إضافة لتشكيل لجنة من الخبراء في هذا الموضوع لا من ذوي المناصب الإشرافية, وإقرار القواعد من الجهات العلمية المختصة باللغة العربية, ثم إقرارها من الجامعة العربية وتحديد آلية تنفيذها في جميع البلدان العربية وعلى جميع المستويات والأصعدة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية