تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هكذا تحطّم باراك على صخرة المستوطنين

هآرتس
ترجمة
الأثنين 24 تشرين الثاني 2008 م
ترجمة: ريما الرفاعي

لعل أكثر قضية أبعدت جمهور اليسار عن ايهود باراك هي معالجته للبؤر الاستيطانية والمستوطنين في الضفة الغربية. فلا شيء يرمز لضعف الحكومة وخضوعها للمستوطنين

أكثر من استمرار وجود البؤر الاستيطانية, مع الإخلال المتكرر بالوعود المقطوعة للأمريكيين بهذا الشأن. فالبؤر الاستيطانية تعكس الفجوة الواسعة بين مزاعم السلام والانسحاب التي يطلقها رئيس الوزراء ايهود أولمرت, ومايجري على الأرض من سلوك معاكس.‏

والثمن السياسي لهذه السياسة يدفعه باراك اليوم الذي يتجه حزبه إلى الاضمحلال كما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي.‏

صحيح أن باراك لم يخلق المشكلة, ولكنه كوزير مسؤول عن الأمن بالضفة الغربية وكرئيس لحزب العمل الذي يفترض أن يقود معسكر السلام, كان المأمول منه سياسة أكثر حزماً حيال المستوطنين. لكن باراك ليس مثل عمير بيرتس الذي تصرف في وزارة الدفاع مثل طفل مسجون. باراك هو ابن جهاز الأمن وصاحب الأوسمة. إنه رئيس وزراء ورئيس أركان سابق. وشخص بمثل هذه المواصفات كان يفترض أن يقود الجيش في الهجوم على البؤر الاستيطانية, لكنه لم يفعل ذلك, مايشير إلى أنه يتعاطف مع القاطنين في تلك البؤر. وهذا يثير الشبهات مجدداً بشأن حقيقة انتماء باراك إلى معسكر اليسار, وإن نزعته الأمنية كانت ولاتزال هي المسيطرة عليه.‏

معظم المصوتين لصالح حزب العمل لايعرفون شيئاً عن البؤر الاستيطانية, ومن يقطن فيها. وحتى لو غادر هؤلاء جميعاً التلال يوم غد, فلن نصل إلى تسوية دائمة تنهي النزاع مع الفلسطينيين. لكن ليس هذا هو المهم, ذلك أن البؤر الاستيطانية باتت هي رمز الاحتلال في نظر اليسار, مثلما هي رمز التمسك بالأرض بالنسبة لليمين.‏

ربما يكون باراك أدرك ذلك خلال الأسابيع الأخيرة بعد التصعيد في عنف المستوطنين المتطرفين تجاه الجنود والشرطة والمزارعين الفلسطينيين. وقد عقد سلسلة اجتماعات مع الأجهزة المختصة, وصعد من لهجته. وخاطب اسحاق رابين في ذكرى اغتياله بالقول: يااسحق, أنت لم تتأثر بالمزاودين.‏

وقد كان رابين وصف المستوطنين الذين عارضوا اتفاق أوسلو بالمزاودين. وقد سمعت أًصوات في المهرجان تهمس: إنه وزير الدفاع, فليفعل شيئاً بدلاً من مجرد الحديث. وقد شارك أولمرت أيضاً في هذه الحرب الكلامية ضد المستوطنين.‏

قبل عشرة أيام اتخذت الحكومة قراراً بتعزيز سلطة القانون في المناطق الفلسطينية يتضمن وقف الدعم المباشر أو غير المباشر للبؤر الاستيطانية. لكن هذه الصيغ الحازمة تبدو سخيفة بعض الشيء, إذا أخذنا بالاعتبار التوقيت السياسي, حيث من الصعب أن نصدق أن الحكومة المنتهية ستبدأ قبل لحظة من انفراطها بزج المستوطنين العنيفين في السجن والهجوم على البؤر الاستيطانية.‏

باراك يتذرع بأنه لايمكنه أن يحل دفعة واحدة كل المشكلات التي أوجدها أسلافه على مدى 40 سنة في المناطق الفلسطينية - يمكن أن نفهمه, ولكن هذا مجرد ادعاء بالبراءة - وقد كان بارعاً فقط في التنافس على منصب وزير الدفاع رغم علمه المسبق بالوضع الموجود على الأرض, إن مكتبه يعرض معطيات حول الإجراءات التي اتخذت ضد البناء غير القانوني في المستوطنات, وهي إجراءات تشتمل على طلعات للتصوير الجوي لتحديد خروقات البناء ومصادرة عشرات الكرفانات التي نقلت إلى المناطق وأوامر إبعاد عن المناطق لعناصر عنيفة وتجميد مخططات البناء في المستوطنات التي وقعت فيها أعمال شغب, ولكن كل هذا لم يغير شيئاً على أرض الواقع.‏

لقد حرص باراك على أن ينأى بالجيش والشرطة والمخابرات عن الانشغال في إخلاء المستوطنين والبؤر الاستيطانية, وخاصة أن جروح فك الارتباط عن غزة وهدم المنازل في عمونا, عشية الانتخابات السابقة لاتزال مؤلمة. والإطار ثمة تخوف غامض من رفض قادة وجنود متدينين لأوامر إخلاء رفاقهم من منازلهم.‏

لقد حاول باراك السير في الهامش الضيق بين حائط اليسار المكون من الوعود للأمريكيين والتوقعات من مؤيديه وحائط اليمين المتمثل في التخوف من شرخ في الجيش, والحل الوسط الذي اتخذه كان مثلثاً: منع إقامة بؤر استيطانية جديدة وإخلاء طوعي لبؤر استيطانية قديمة إلى داخل المستوطنات القائمة واستخدام صلاحياته للسماح بالبناء خلف الخط الأخضر كعصا وجزرة حيال المستوطنين. وهكذا سعى إلى أن يقلص بالتدريج من حجم المشكلة مع تقليص خطر المواجهة الداخلية.‏

في النتيجة أدرك باراك ولكن متأخراً أن محاولاته شراء الهدوء من المستوطنين قد مست بمستقبله السياسي, وهذه عبرة يحسن لأي حكومة مقبلة استخلاصها مبكراً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية