أيها القارئ هل تعرف العالم ؟
الحقيقة أن معارفنا موجودة في ذهننا كمجموعة هائلة من الصور و المشاعر و الأصوات و الأفكار و الكلمات و الجمل التي تسربت إلى ذاكرتنا عبر سنوات طويلة تراكمت شيئا فشيئا حتى أصبح لتراكمها هذا معنى سميناه العالم .
فالعالم الذي نعرفه هو مجموعة من الأفكار التي اكتسبناها من الخارج و هو كصورة عنه و ليس الحقيقي. فلو امتلكت خارطة لدولة ما هل تصبح هذه الدولة بين يديك ؟ بالتأكيد لا ( وإلا لكان هتلر قد اكتفى بشراء مجسم للكرة الأرضية).
ولإثبات ذلك أغلق عينيك الآن .... تذكر نهرا أو بحرا تعرفه جيدا
الآن افتح عينيك .. هل ترى ماء منسكبا من رأسك ؟ إذا كان الجواب لا فهذا يدل على أن النهر ليس في رأسك و إنما صورة عقلية لنهر قد يكون موجودا في الواقع .
كذلك العالم الذي في الذهن. بنيته أنت بما سمعت و قرأت و رأيت و بما استقر في نفسك من قيم و معتقدات و قد يكون في هذه المعلومات الكثير من الخطأ و الصواب ، الحق والباطل .
قد يقول البعض من أين يأتي الخطأ ؟ فأنا شخص موضوعي جدا لا أقبل إلا بما أقوم باستقرائه أو استنباطه و من معطيات دقيقة جدا
في بحثنا عن الإجابة أفادنا المختص باسل النصار
تخيل أن العالم الذي تعرفه هو مدينة رائعة و جميلة فيها البناء العظيم و الشوارع الواسعة الطويلة التي ترتفع على جوانبها الأشجار الخضراء النضرة.
هناك ستجد أنها محاطة بأسوار ثلاثة لكل منها دور في الحد من تسرب تلك الكلمات و الصور و الأفكار و المعتقدات إلى عالمك هذا بالرغم من أنها تعتبر المواد الأساس لبنائه و تطوره.
فالسور الأول هو سور حدود الحواس :
اجل حواسنا الخمس منفذنا الوحيد لإدراك العالم الحقيقي .
نعم نحن لا نستطيع أن نبصر إلى ما لا نهاية
لا نرى إلا ألوان الطيف
لا نسمع إلا حزمة محددة من ترددات الصوت
نخدع أحيانا برسم أو صوت و نعتقد أنه شيء مختلف
السور الثاني هو سور اللغة :
و هو سور هام جدا؛ فلو كتبت هذه المقالة حرفيا بلغة أخرى لا تعرفها هل كنت لتستطيع قراءتها ؟ هل كانت لتصبح جزءا من العالم الذي تعرف ؟
مثال آخر : لو قلت لك أنها مجلة رائعة ... قد توافقني الرأي و قد تعارضني ... لكنك في الحقيقة لا تعرف عن أي مجلة أتحدث . لم أقل لك أني أتحدث عن هذه المجلة لكني أوقعتك في فخ يسمى الحذف و هو من عيوب فهمنا للغة . هذا و لم نتحدث بعد عن الجدل الذي قد تحدثه كلمة ( رائعة ) فكل شخص يفهمها بطريقته و رأيه و حسب لهجته و التراكيب اللغوية التي تستعمل في مكان نشأته.
السور الثالث و هو سور المعتقدات و القيم :
إن أثر المعتقدات و القيم مختلف بحسب عمق استقرار كل قيمة أو معتقد في نفوسنا . كم مرة كنت قد هممت بقراءة كتاب ما أو مقالة أو بدأت بمشاهدة فيلم وتوقفت لأنها تناقض فيك بعض قيمك و معتقداتك ؟ ألم يحد ذلك من عالمك ؟ .
الم تمنعك قيمك و معتقداتك من القيام بالكثير من الأمور الإيجابية في حياتك ؟
تذكرني هذه الأسوار بقصة العميان الثلاثة الذين اجتمعوا على فيل … وهم يجهلون ما هو … فبدؤوا يتلمسونه بأيديهم ليستكشفوه …
فوقعت يد الأعمى الأول على ساق الفيل … فقال … إن هذا الشيء اسطواني خشن الملمس وكأنه جذع شجرة ولكنه ليس بشجرة وأمسك الأعمى الثاني ذنب الفيل .. وقال .. بل كأنه حبل متين .. ولكنه ليس بحبل أما الأعمى الثالث … فأمسك خرطوم الفيل .. وقال .. هو خرطوم ماء كبير أظنه لإطفاء الحريق.
فنشب نزاع بين العميان الثلاثة … لأن كلاً منهم يعتقد ما توصل إليه هو الصواب وصاحبيه الآخرين على خطأ حتى كادوا يقتتلون فتدخل رجل حكيم ليفض النزاع … وطلب منهم تغيير مواقعهم ليكتشف كل منهم ما خفي عنه من معلومات ناقصة
هكذا ننظر نحن للعالم … من وجهة نظر محدودة مقيدة بعدد كبير من الأمور التي تمنعنا من رؤية الحقيقة كاملة كما هي في الواقع … ونعتقد أننا على حق وصواب .. وكل من يخالف فكرتنا هو المخطئ … والحقيقة إن الآخر أيضا يفكر بنفس الطريقة . فهل نحتاج إلى هذا الحكيم ؟
هل عالمك هو عالمي ؟
دخل رجل ذات يوم إلى عيادة لطبيب أذن .
و بينما هو جالس في قاعة الانتظار مع مجموعة كبيرة من الرجال و النساء و الأطفال؛ فاجأ الجميع و بصوت عال و قال : أنا آسف .
نظر الجميع إليه و ثم إلى بعضهم البعض ,ارتسمت على أوجههم تعابير استغراب , لم يجب احد.
هذا لم يمنع الرجل من أن يكرر اعتذاره 7 مرات في فترة انتظاره التي لم تتجاوز الدقائق العشر .
و الحقيقة إن أحداً لم يعرف عن أي شيء يعتذر هذا الشخص اللطيف البالغ الأناقة .
حين هم بالدخول إلى غرفة الطبيب بادره الجالسون بالسؤال : لم الاعتذار يا سيد ؟
تفاجأ الرجل , فتح فاهه باندهاش , تجمدت عيناه و كأنه سُئِل عن أمر عجيب . أجاب :
انه هذا الصوت المزعج في رأسي ؛ فأنا أعاني من طنين حاد في الأذن ؛ ولا بد من أن هذا الصوت قد أزعجكم جميعا . أكرر اعتذاري .... و مضى .
قد يضحك البعض و قد تعتبرها أنت طرفة لكن اسأل نفسك .. هل تعاني من طنين في الأذن ؟
ألم تعتقد يوماً ما بأن كل ما تشعر به أو تراه صوابا ؟
أو أن ما تعرفه صحيح ؟ فكيف يراه الآخرون غير ذلك ؟ أليس هذا كطنين أذن الرجل ؟
اجل أنت تعاني من طنين..و هو ليس أن تسمع صوتا حادا ؛ فقط بل اعتقادك أن ما تراه يراه غيرك و ما تسمعه هو ما يسمعه غيرك و ذات ما يفهم .
و الحقيقة كما يخبرنا بها المختص باسل النصار :
إن لكل منا عالماً مختلفاً عن الآخر. بناه بما سمع و رأى و شعر و ما نقل إليه من محيطه بنى جزءاً من معتقداته و ورث الأخرى ... .
فأغلب قيمنا و معتقداتنا تكونت منذ زمن بعيد قبل أن نصل إلى مرحلة النضج في عمر يسمى بعمر الامتصاص ( الإسفنج ) و هو من السنة الأولى إلى عمر سبع سنوات .حيث كنا كالإسفنج الذي يمتص كل ما هو سائل . فلو وضع في ماء نقي لأشبع بالماء النقي و لو وضع في ماء سام لأشبع به أيضا . فالطفل في هذا العمر يستقبل كل المعلومات وكل القيم بشكل مباشر و بسيط و تدخل إلى عالمه بلا أسوار لأن محاكمته العقلية لم تنضج بعد .
لذلك تأكد من أن عالمك ليس عالمي . وليس عالم أحد .فلكل منا عالمه الخاص الذي يعتقد بأنه كامل . هو عالم وحيد لا نعرف غيره ولا نتصرف إلا بما هو موجود فيه .وهو مختلف عن الحقيقي بشكل كبير.
و هذا ما يوصلنا للنقطة الثانية التي اكتشفناها :
إن هذا العالم متغير حقاً تتعدد فيه المواقف و تتكرر فتسمع كلاما تفهمه بغير ما قصد به أو تفسر سلوكا لآخرين بشكل خاطئ مغاير للعالم الحقيقي .
بالتالي : إن العالم سيتغير إذا تغير ما في الذهن .
لذلك أطلق قدراتك ...
كن ايجابيا ...
ولا تقس نفسك بما أنجزت حتى الآن ، ولكن بما يجب أن تحقق مقارنة بقدراتك