ليسوا معارضين و لا حتى يفقهون بالأجندات الخارجية .. ما يعرفونه عن ظهر قلب و عايشوه أباً عن جد .. أنهم عاشقون لوطن بأمانة كانوا غارقين حتى العظم .. ينامون ملء عيونهم مهما أثقلتهم هموم حياة من أقساط ثلاجة و غسالة أو حتى كسوة الأولاد على المواسم الصيفية والشتوية و المدرسية .. أو ربما قرض على راتب محدود لأحد مصارف التسليف الشعبي .. هان كل شيء إلا فقدان الأمان .. و تطاير سقف أحلامهم و جدرانهم الاستنادية
من اليوم هم لاجئون على كل خطوط الكرة الأرضية حتى القطبية .. نالوا عن غير سابق نية إقامة و من ثم جنسية غير سورية .. و افترشوا ضفاف الغربة يراقبون مشهداً لأمة عربية مشغولة عن ضحايا أزمة بمؤتمرات و تصريحات وتنديدات لاتؤوي نازحاً و لا تطعم جائعاً إثر حصار و عقوبات دولية ..
من الآن سيهجرون وجع الانتظار .. لكنهم سيغوصون في دوامة متشحة بمرارة يومية بلغة غير عربية .. لن يبددها سحر حضارة غربية و لا بطاقة ضمان صحية .. و لا حتى راتب يصرف شهرياً لأنهم نالوا و بلا فخر لقب لاجئين في أحضان غربية ..
سيعيشون تفاصيل الوطن يومياً .. و سيزورون نادمين كل صباح شوارعنا الدمشقية .. و يسيرون على حبل من ذكريات الياسمين يخشون السقوط قبل شرب القهوة على شرفة أو في فسحة دار .. مهما بلغ تلوثها السمعي أو البصري هي طقوسهم الصباحية و المسائية..
و لبعد المسافات سيعيشون كل الأعياد و المناسبات في ذكرياتهم و عبر مكالمات هاتفية و رسائل نصية أو إلكترونية .. و لم الشمل هو مشروعهم القادم كذلك الاشتياق للحجارة والأرصفة .. و الحنين و الشكوى من الغربة عمل يومي بدوام صباحي و مسائي .. أما وعود العودة القريبة فستفترسها الأيام و من ثم ستبتلعها سنوات الاكتئاب ليتحولوا إلى مجرد عداد للدولارات و ميزان خاسر للأشواق .. تلك يوميات مهاجر لم يبادله وطنه الهجران رغم المسافات ..