هذه المواقف وغيرها كانت للأستاذ خالد الداعوق الذي التقته «الثورة» في بيروت وكان لها معه الحوار:
ما أبعاد وتداعيات العدوان الهمجي الاسرائيلي على غزة؟
إن حالة الاحتقان والقتل والضغوط الوحشية التي يعانيها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة وصلت إلى الحد الذي بات من الصعب السيطرة على مجرياته.
غزة التي لطالما أرادوها نموذجاً للتقهقر فأصبحت نموذجاً للثبات، خططوا لاغتيال قادتها ورموزها فكشفت المؤامرة وفضحتهم وهي في كل يوم ومع كل قطرة دم من شهيد تفضح المتآمرين عليها، الصهاينة ومن معهم يريدون كسر هذا النموذج وتحطيمه لتنهار معه الإرادة العربية والإسلامية في كل مكان، هدفهم أن يجعلوها عبرة للمسلمين ولكنها غدت رمزاً للتحدي والصمود.
وإن تداعيات هذه الأحداث التي يتضح من تصريحات العدو الاسرائيلي هي مجرد بداية لسلسلة عمليات ممنهجة ومتواصلة، العدوان الحالي على قطاع غزة هو معركة لحسم مصير غزة ووضعها القانوني النهائي.
وبالتالي لا نعتقد بأن اسرائيل بل تهدف لفرض وقف إطلاق للنار وهدنة طويلة المدى وإنهاء العلاقة مع إسرائيل تريد إنهاء سلطة حركة حماس بالقطاع لأن ذلك يعني إعادة توحيد السلطة والنظام السياسي الفلسطيني وهو ما لا تريده اسرائيل وبالتالي مع الضفة الغربية، ومن المؤكد أن سبل مواجهة العدوان لا يكون إلا بإعادة القضية الوطنية لوضعها الطبيعي وهو ما يحتاج لكسر كل المعادلات التي فرضها العدو.
ما تفسيركم من استهداف الأطفال والنساء من قبل العدو الإسرائيلي وما الغاية والهدف من ذلك؟
إن استهداف المواطنين العزل يكشف عن نية وقصد جنائي واضح في تعمد إلحاق هذا الحجم من القتل والدمار، وإسقاط أكبر عدد من الضحايا وتحديداً من الأطفال والنساء وذلك عمداً لبث الذعر والرعب في نفوس المدنيين وارهابهم وبالتالي تذكيرهم بالمجازر (مجزرة دير ياسين) ودفعهم على الرحيل وتهجيرهم.
ما حقيقة استهدافات العدوان في البعد الاستراتيجي ؟
العدوان الاسرائيلي المتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يكن وليد لحظة بقدر ما كان جزءاً في سياق الاستراتيجية الاحتلالية الهادفة للنيل من الإرادة والصمود والموقف الفسطيني .فالجبهة الداخلية الاسرائيلية عانت من كوما سياسية وحزبية بعد حرب تموز 2006 وتداعياتها على المؤسستين العسكرية والسياسية، فكافة الأطراف السياسية والأمنية الفاعلة في الحياة السياسية الاسرائيلية تبحث عن نصر موهوم لاستثماره في الانتخابات النيابية الشهر القادم، على قاعدة تجديد شباب الحياة السياسية استناداً إلى انتصار مفترض بعد هزيمة 2006 التي أودت بأركان وطواقم سياسية حزبية تعتبر من ثوابت الحياة السياسية في اسرائيل، إضافة إلى محاولة محو صورة الجيش المكسور، وإعادة تشكيل هيبته في الذاكرة الجماعية للمجتمع الاسرائيلي.
أما لجهة النظام الاقليمي ، فالعدوان كان بمثابة الرسالة الواضحة، لكل فواعله من العرب وغيرهم بأن لاسرائيل كلمتها أيضاً بمعزل عن أي حسابات أو ضغوط دولية، ففي الوقت الذي كانت جهود خارقة تبذل للتهدئة في قطاع غزة نفذت اسرائيل محرقتها ببرودة أعصاب دون أي رادع أو وازع قانوني أو أخلاقي، محاولة تكريس صورة بدأت ملامحها تترسخ في المنطقة مفادها أن لا حول ولا قوة للعرب حتى التحرك في قضاياهم الأساسية وإيلاء أمورهم إلى الفواعل الإقليمية والدولية في المنطقة وهذا ما ظهر تحديداً عبر دفع تركيا مثلاً إلى واجهة الوساطات والمبادرات في غياب تام لأي تحرك عربي فاعل وقابل للبنآء عليه وكذلك عبر إعطاء دور لفرنسا بصرف النظر عن حدوده وإمكاناته وسقفه.
وإذا كانت ظروف الشد والجذب في أعلى صورها في المنطقة وبخاصة بين المحاور العربية، فقد وجدت تل أبيب الفرصة المناسبة لتكريسه وإبعاد ذات البين العربية، وهي محاولة مكشوفة لإظهار أن عدوانها على غزة هو نصرة لفريق على آخر، وكأن الشعب الفلسطيني بات موزعاً ومقسماً بين أطياف ومشارب متباينة.
ولكن وحيث إن هناك عدواناً مباشراً وقائماً في غزة يحتاج لسرعة الرد على أن المهمة الأولى هي وقف العدوان والاجتماع العاجل للحوار والمصالحة لأنه لا يمكن وقف العدوان وضمان عدم تكراره إلا في إطار وحدة الموقف الفلسطيني وفي إطار المصالحة الوطنية.
في كل الحروب والاعتداءات التي نفذتها اسرائيل على العرب مجتمعين أو منفردين ، كان لها أهدافها المعلنة، كما لها غاياتها غير المعلنة وهذا أمر شائع ومتداول في الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، إلا أن خلفيات محرقة غزة وتداعياتها السياسية التي تأملها اسرائيل هي مركزية بكل المقاييس الداخلية والخارجية لاسرائيل، وبصرف النظر عما يمكن أن يتحقق منها، تبقى الكلمة الفصل للشعب الفلسطيني الذي اختبر ثورته على مدى 44 عاماً بكافة فصائله وتلاوينه السياسية في اتجاه تحديد البوصلة السياسية التي يريد شرط المحافظة على وحدته الوطنية الداخلية الكفيلة بحمايته من أي أهداف غير المعلنة.
لقد دفع العرب بشكل عام والفسطينيون بشكل خاص أثماناً باهظة لا نتيجة ضعفهم بل بقدرة اسرائيل على تفريقهم، وإظهارها خلاف ما تبطن، في الوقت الذي ما زلنا نحن العرب نبحث عن أولويات باتت في نظر اسرائيل من الماضي السحيق.
لماذا أخفق العرب بعقد قمة عربية؟
تواصل اسرائيل عدوانها الاجرامي على قطاع غزة بهدف الاجهاز على المقاومة، وفرض واقع مختلف في الأراضي الفلسطينية المحتلة يلائم أحلامها التوسعية ويفرض على دول المنطقة قبول إملاءاتها، ويقطع الطريق على أي جهد عربي أو دولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الاسرائيلي ، أو على أي مساءلة لها على جرائم حروبها المجنونة والمآسي التي سببتها لشعوب المنطقة.
ومقابل النجاحات التي حققتها قوى الممانعة للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة، انخرط عدد من الأنظمة في الترويج لهذا المشروع أو عقد صفقات تعمق الشروخ العربية العربية، وتغيب الفعل العربي الرسمي الجماعي وتقطع الطريق على كل محاولة لاستعادة العمل العربي المشترك والتضامن العربي الفاعل، أوعلى استعادة التنسيق الجدي بين الدول الثلاث ذات التأثير في المحيط العربي وهي سورية ومصر والسعودية.
ونعتقد أن الخروج من حالة الشلل هذه واستعادة النظام العربي الرسمي لبعض عافيته ممكن عبر رؤية معممة للوضع الانتقالي على المستوى العالمي، إثر تداعيات الشهور الأخيرة، وقراءة متأنية لما انتجته التجاذبات أو السياسات العربية الأحادية أو المراهنات على الوعود الأمريكية من خيبات وخسائر، وعبر ملاقاة لمشاعر الغضب الشعبي في المدن العربية والتجاوب مع دعوات الجماهير العربية إلى ضرورة الوقوف إلى جانب صمود أهل غزة ومقاوميها، واستخدام أوراق الضغط العربية الكثيرة التجارية والمالية والاقتصادية والدبلوماسية ، وورقة المقاطعة للشركات التي تتعامل مع اسرائيل، وهي أوراق أثبتت فاعليتها في محطات عديدة، وأن يبدي القادة العرب قدرة على تجاوز تفاصيل الخلافات والتجاذبات، والتركيز على ضرورة وقف العدوان ولجم الغطرسة الاسرائيلية.
أما الاكتفاء بتبرير العجز أو توجيه اللوم لهذا الطرف أو ذاك النظام أو إدارة الظهر لما يجري، فإنه سيسمح بتوسيع العدوان وزيادة حجم الكارثة ويعصف بحقوق الشعب الفلسطيني ونجاحات مقاومته.
هذه الأسباب هي التي تقف في وجه أي قرار عربي وتقف حاجزاً لعقد قمة عربية ينتج عنها قرارات منصفة بحق أي مواطن عربي مضطهد وللخروج من هذا النفق الذي يمنع من عقد قمة عربية، فإننا نتمنى أن يكون الأوان قدحان لتطوير ميثاق الجامعة العربية ومؤسساتها، وآليات عمل مؤسسة القمة العربية ومتابعة قراراتها، كي يغدو العمل العربي المشترك أفضل حالاً.
برأيكم ما هي الوسائل لمواجهة هذه الاعتداءات الوحشية التي تقوم بها اسرائيل؟
إن تداعيات الهجوم والغارات الجوية على قطاع غزة تطالب المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل والجاد بمواجهة هذه الجرائم وتحمل مسؤولياتها في حماية الفلسطينيين ورفع الحصار والمعاناة عن سكان القطاع المحتل، لذا فيجب الإسراع بمطالبة أولاً مجلس الأمن الدولي بالتحرك العاجل لعقد جلسة طارئة لبحث تداعيات الأوضاع في قطاع غزة وسبل حماية سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة في مواجهة هذا العدوان ووقف تواصله.
وجوب عقد لدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة لاجتماع طارئ لبحث السبل والتدابير الكفيلة بإجبار اسرائيل على احترام اتفاقية جنيف الرابعة وتطبيقها على صعيد الأرض الفلسطينية المحتلة، وبحث سبل مواجهة العدوان والانتهاكات الاسرائيلية الجارية على صعيد قطاع غزة ، وخصوصاً أنها تندرج ضمن نطاق ومدلول جرائم الحرب، ما يقتضي من هذه الدول تحمل مسؤولياتها والتزاماتها القانونية بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والآمرين بارتكابها، كما علينا المجابهة الدبلوماسية مع الدول العربية والأوروبية وذلك بسحب سفراء الدول العربية والأوروبية المتعاطفين مع اسرائيل ومع سياستها الهمجية وأيضاً الضغط الاقتصادي عبر قطع إمدادات النفط.
كما إن تقاعس المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ،مجلس الأمن الدولي وصمتهم غير المبرر بوجه الانتهاكات وجرائم الحرب الاسرائيلية وحصار وتجويع سكان القطاع، والتجاهل الكلي لمطلب الحماية الدولية والتدخل لرفع الحصار والمعاناة عن سكان قطاع غزة، قد ساهم في رفع حدة الانتهاكات الاسرائيلية ولا مبالاة (دولة الاحتلال الصهيوني) وتغييبها الكلي لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني.
العدوان سيتوقف اليوم أو غداً ولكن ماذا بعد وقف العدوان الحالي؟ وما ضمانة عدم تكراره أو استمراره بوسائل أو بأماكن أخرى من فلسطين ؟