وهل كان صدوره مقصودا في ذاته ما دام المطلوب منه عدم تنفيذ بنوده، على ضحالتها خطورتها بالنسبة لما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في غزة من قصف وعدوان ومجازر وجرائم حرب؟
لقد أعلنت اسرائيل فور التصويت على القرار أنها غير معنية به، وأنها ستمضي في تصرفاتها وفق اعتباراتها الأمنية، أي الاستمرار في العدوان والقصف والمجازر وقتل المزيد من الفلسطينيين من أطفال ونساء وتدمير المنازل والمشافي وإغلاق المعابر.
هذا ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني وذلك بعد أن طالبت بتأجيل التصويت على مشروع القرار، حتى يتاح لها إجراء مشاورات مع اسرائيل ولما جاء التصويت امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت وصدر القرار رقم 1860 وفيه تتم المساواة بين الضحية والقاتل، بل فوق ذلك، وهنا مكمن خطورة القرار حين يطالب الضحية الذي هو الشعب الفلسطيني ممثلا بمقاومته بتقديم ضمانات لقاتله «الجلاد الاسرائيلي» وبوقف اطلاق النار وكأن العدوان الصهيوني الوحشي على غزة هو بين جيشين أو دولتين وبمراقبة تهريب السلاح كتجارة غير شرعية!!.
إن أميركا وبريطانيا وفرنسا التي وضعت نصوص وبنود هذا القرار بموافقة بعض الأطراف العربية وعلى مستوى وزراء خارجية هرعوا إلى نيوريوك ليكون رهانهم على مجلس الأمن أن كل هؤلاء تعمدوا إصدار بيان عن مجلس الأمن لقطع الطريق على أي محاولة جادة وصادقة منذ اليوم الأول للعدوان ترتقي إلى مستوى مسؤولية التحديات والأخطار التي أفرزها العدوان الإسرائيلي بل وحرب الابادة التي مارسها الجيش الإسرائيلي على مسمع ومرأى العالم كله وفوق ذلك جاء القرار ليمنح اسرائيل فرص الاستمرار في قصفها وتقتيلها للفلسطينيين وفرصة لاطالة حربها في غزة فإنها وحين ترفض وقف عملياتها العسكرية العدوانية الوحشية فهي في ذلك تريد أن يكون القرار ومعه مجلس الأمن بمثابة غطاء سياسي ودولي كي تنجز ما عجزت عن تنفيذه على الأرض وعبر معارك ومواجهات ضارية مع المقاومة الفلسطينية في جميع أنحاء قطاع غزة مدنه وبلداته وقراه ومخيماته.
فبينما كان المطلوب التنديد بالعدوان والدعوة الالزامية لوقفه، تحول ذلك إلى أن تضرب اسرائيل بعرض الحائط كل الصيحات والدعوات التي تطالبها بالكف عن مجازرها وجرائمها، وليس من شك في أنه وعندما يتحول العالم برمته بشوارعه ومؤسساته وهيئاته وقواه والرأي العام فيه من جنوب افريقيا إلى اميركا الشمالية، ومن استراليا إلى المغرب العربي إلى انتفاضة تضامن مع أهلنا في غزة، يغضب على الاحتلال والعدوان،ويهتف لمناصرة المقاومة وشعب فلسطين في غزة ويطالب بوقف حمامات الدم الاسرائيلية للفلسطينيين، فإن ذلك يدلل على حقيقة هامة وهي انه قد حان الوقت كي لا تظل اسرائيل خارج اطار المحاسبة والمساءلة، بل والمعاقبة على جرائمها ومجازرها واستراتيجية القتل التي تمارسها وعن عمد وسابق اصرار وتصميم في غزة.
ومن أجل تنفيذ هذه الامنية او الدعوة لابد بالدرجة الأولى من العودة حقيقة الى جوهر وطبيعة الصراع الآخذ في الاشتداد والتصاعد بيننا كعرب ومسلمين واحرار ودعاة سلام من جهة، واسرائيل وكل حماتها ورموزها الاحتياطية العميلة من جهة ثانية. فإذا كانت اميركا تقوم بتنفيذ سياسة اسرائيلية في المنطقة فإن العالم وعبر صيحات الضمير لانقاذ غزة وفلسطين وشعب فلسطين ها هو يقف مع الحق والعدل ضد الظلم والمجازر الاسرائيلية، وضد الاحتلال.
هي اذن مسألة وجود ومصير، وليست أبدا جزئيات وتفاصيل ما يترتب على هذا الوجود او يتفرع عنه. ولا تخفي اسرائيل هدفها حين تقول إنها تريد من وراء حربها على شعبنا في غزة القضاء على المقاومة وارضاخ هذا الشعب للمشيئة والإرادة والقرار والشروط الاسرائيلية بحيث تأتي أي تسوية على مقاس الاحتلال واغتصاب الأرض ومصادرة الحقوق، ومن هنا فإن الصمود والثبات على إنهاء الاحتلال ودحره ومقاومته والتمسك بكل مقومات وعناصر صنع السلام العادل والشامل والدائم والعمل على توفير قاعدة أو قواعد للعمق الاستراتيجي القومي لقضية فلسطين والمقاومة الباسلة من قوى وفصائل ذلك كله يشكل الراهنية المتبقية لمواجهة الاحتلال ولردع العدوان الاسرائيلي ودحره إلى الأبد.