ومن أكثر ما يدهش في صورة ما نحن فيه هو أننا ألفينا بعضاً من العرب صاروا يتماهون بالصهيونية ثم يستجدونها لأن تقف معهم ضد أبناء جلدتهم، وكأن الحرية, والتحرّر لم يعد لأرض فلسطين، أو كأن التهويد للقدس لم يعد مشكلة بين من لهم الأهداف الواحدة، والمشاريع الواحدة، والمعلّم الواحد، واختلفت في عصر الربيع المزعوم المفاهيم حيث لم تعد المواقف الواحدة مع أميركا وإسرائيل والأوروبيين الذين يستعيدون في القرن الحادي والعشرين سايكولوجيا العصر الاستعماري الذي مضى عليه قرن من الزمان خاصة حين يقودهم إلى أرض بلاده أبو رغال الجديد، وحين تستعد جوقة المستعربين الذين يعيشون بين ظهراني هذه الأمة إلى الإصغاء والعبادة على جبل صهيون حيث ما زال الإله الذي يعبده الصهاينة مقيماً على جبل صهيون غرب القدس وينزل الوحي عليهم في كل ليلة، والحاخامات يستقبلون ويبلغون المتصهينين من العرب ما يرشد إليه الوحي المنزّل.
وآخر ما أرشدهم إليه الوحي أن اهدموا سورية التي لم تترك العروبة، والحقوق والصراع ضد الصهاينة ( الغزاة للأرض العربية )، ولا تجعلوا آخر حصن للعرب يواصل حماية الحق، والوجود، والمصير. والمذعنون من الصهاينة المستعربين، أو من المستعربين المتصهينين ينفّذون أوامر أسيادهم، وأرباب نعمة وجودهم حكاماً بكافة أشكال الفجور والغطرسة، والاستبداد. ومع ذلك يظهرونهم نماذج الحرية وسادة الديمقراطية، وهم يمنعون المرأة من قيادة السيارة، أو يسامرون أعداء الله والوطن في تل أبيب وحيفا والقدس في كل ليلة . ومع ذلك يتباكون على المدنيين في سورية وهم الذين يرسلون لهم مجموعات القتل والتنكيل، ويموّلونها، ويوفّرون لهم الغطاء الدولي للعمل دون أن يقع عملها في دائرة الإرهاب.
فالإرهاب محصور فقط في الدولة التي تمانع الخرق الصهيوني والأميركي للوطن.ومن عجائب الأيام العربية الراهنة أن يتطابق الموقف العربي الرسمي من سورية مع أهداف الصهيوأميركيين والأوروبيين، ,وأن تكون الاستهدافات واحدة بتدمير الوطن السوري ولا نجد البعض ينتابه ولو القليل من الخجل بأنه مع أعداء أمته في جبهة واحدة، وخندق واحد ضد أهم بلد عربي من بلدان العروبة.ولم تخجل الأفعى المتصهينة من أن تخلع جلدها وترتدي علانية الجلد الصهيوني العنصري والمتربص بالجميع، ثم تذهب مع ما يسمى أمين الجامعة الغربي إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن تستجدي التدخل الدولي العسكري المباشر في سورية وهي تعلم زوال الوطن السوري إلى أزل غير معروف ولكنها تُؤمَرُ وتتصهين وليس لها ما تفعله إلا ما يستوجب عليها أن تكون في خانة المتآمرين على الأرض والعرض والحاضر والمستقبل.
نعم إن الحدث العربي في إطار جامعة المتصهينين من العرب يشير إلى ظهور الصهيونية المستعربة، أو العرب الصهاينة وكلتا الحالتين واحدة. يجري هذا في الموضوع السوري رغم أنهم أرسلوا بعثة المراقبين العرب حتى تتطلع على وقائع الحياة السورية، وتحدد الجهة التي تمارس العنف والترويع والقتل والتدمير، وحين وجدوا أن عناصر البعثة وعلى رأسهم الفريق الدابي لم تستطع تجاهل حقائق الحياة اليومية للعصابات الإرهابية، فأثبتت الوجود المسلح لها، والدعم الخارجي، واستهداف التدمير للوطن السوري بدون أي حسابات للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ورغم محاولة التمديد شهراً جديداً لهؤلاء وموافقة سورية على التمديد، وحماية التحرّك لهم إلا أن الخليجيين سرعان ما انقلبوا على قرار الجامعة بالتمديد، واستتبعوا معهم سدنة الجامعة المتصهينين، وصاروا يغذّون السير من أجل تأمين الشرط اللازم للصهاينة والأميركيين والأوروبيين بخصوص شدّ الحالة الدولية للمزيد من الضغط على دول البريكس، وعلى رأسها روسيا والصين من أجل تغيير موقفهما المقتنع بعدالة القضية السورية، والمقتنع بوجود الجماعات المسلحة من جنسيات مختلفة أدخلتها القاعدة إلى سورية وتعمل لحساب الصهيوأميركيين والدائرين في فلكهم.
وقد ورد هذا القول في تقرير الدابي المقدم لاجتماع وزراء الخارجية عبر الجامعة، ولكن المسيطر على القرار في جامعة الغرب المتصهين «حمد» قاد وراءه قافلة الجمال فأبطل عمل بعثة المراقبين، واحتج على سورية بما لا يمكن أن يبرهن عليه أي منطق سياسي أو موضوعي، وسار بالجميع الغربي عبر مفهوم المتصهينين المستعربين إلى مجلس الأمن حتى يتكرر السيناريو الليبي على أرض البطولات والتاريخ سورية.وحين نقول: إن أبا رغال قد عاد مرة أخرى ليهدم كعبة العرب ليس لأننا نستشعر خطورة هدم الوطن السوري وحسب، لكننا نستشعر بأن سورية لو ذهبت من الخارطة كدولة موحدة ستطال تداعيات هذا الحال الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه فيسود العصر الصهيوني إلى قرون، ويندثر العرب إلى قرون حتى يبعث من القبور، فهل هذا هو المطلوب؟ سيبقى هذا السؤال برسم مَنْ يعلمون.