يجيب كتاب (اللآلئ من النصوص الكنعانية) على تساؤل القارئ, وعند قراءته لا يزول الاستغراب,بل يزداد إلى حد الدهشة, نعم كان للكنعانيين توراة خاص بهم دون أن يدري أحد بذلك, إلى أن أماطت مكتشفات رأس شمرا (أوغاريت) اللثام عن ذلك,
وهذه التوراة الكنعانية هي التراث الكنعاني الفلسفي والديني والاجتماعي الذي دوّنه كتاب التوراة بدءا من عام 500 ق. م, وكأنه حصيلة تراث الشعب اليهودي منذ فجر التاريخ حتى ذلك العهد بما فيه من نبوءات مستقبلية كما أرادوها أن تكون, وهذه التوراة المعروفة تحت اسم (العهد القديم) شغلت دنيا المفكرين والعلماء اللاهوتيين زمنا طويلا جدا, أي مالا يقل عن 1500 سنة وهم حيارى أمام ما جاء فيه من تسجيلات ومعتقدات ووحدانية وقصص دينية وزمنية... وما كان لهم إلا أن يضعوا علامة استفهام دون جواب أمام هذه التي تبدو كالمعجزات, أما عامة الناس والمؤمنون لم يضعوا أية علامة استفهام بل تقبلوها على لسان الأكليروس المسيحي في العهود المتأخرة وكأنها منزّلة لا قبلها ولا بعدها لا يوجد ما يعلو عليها. هكذا أراد القدر لهذا الكتاب المقدس أ ن ينشر في غمرة ظلام الشرق الأوسط إلى أ ن انبجست الدقائق الأثرية كالينابيع الحية بعد رقاد استمر آلاف السنين حيث انجلت الحقائق في كثير منها ولا تزال ومن جملتها ما تضمن كتاب التوراة اليهودي من تراث اختلس اليهود معظمة لا بل قاعدته الفكرية الأساسية عن التراث الكنعاني وتبنوه وكأنه تراثهم الأصيل, ويبدو ذلك واضحا في دراسة العالم الأثري في إزالة حجاب الغموض عن كتاب التوراة وفسر المعجزة (كتاب التوراة) بقوله: إن التراث اليهودي مأخوذ في قسم منه عن التراث الكنعاني وفي قسم آخر عن تراث بلاد ما بين النهرين محتفظا بجزء يسير ولا قيمة له من التراث اليهودي.
إن العالم هـ. ي. ديل ميديكو يشارك كاتب النصوص الأوغاريتية في مقولة الحقيقة لا تتجزأ, ولقد كتب كاهن أوغاريت الأكبر رئيس مقدمي القرابين والمطهرين المدعو (إيلي ميلكو) النصوص بناء على أمر الملك (نيكمد) ملك أوغاريت خلف الملك الكبير والنصوص تحكي أخبار الأخير والسلوك الشخصي له وأطلق عليها إيلي ميلكو اسم اللآلئ ولقد أمر ملك أوغاريت بتدوين أخبار الملك الكبير لما فيها من عبر لأن البلد الواقعة تحت حكمه وقتئذ بدءا من أوغاريت حتى آخر فلسطين بما فيها لبنان قاست أمر الويلات في عهد الملك الكبير من مجاعات وخلافات وصراع عقائد دينية يرجع سببها إلى سوء تصرف هذا الملك من حيث السلوك الشخصي المرتد مباشرة على أسلوب سياسته. لكن أفدح المصائب التي وقعت في البلاد وقتئذ هو اجتياح اليهود لقسم من فلسطين بقيادة يشوع في بادئ الأمر ومن ثم يهوذا وأدت إلى احتلال أورشليم, وذلك في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
تعالج النصوص جميع نواحي الحياة الكنعانية في عهد الملك الكبير وسنكتفي في هذه المقالة بالمقارنة بين النصين الأوغاريتي والعهد القديم حيث سنذكر من كل فصل أوغاريتي مثلا واحدا ونقارنه بنص من العهد القديم , مع العلم أنه يوجد الكثير من الأمثلة التي تؤكد مقولة أن اليهود (الرعاة) لم يكونوا يوما أصحاب حضارة بل هم عبر العصور سارقو حضارات:
الفصل الأول:
النص الكنعاني: كانوا يلقبون المحاربين بالأسود
المزامير: (17/ 12 ) «مثله مثل الأسد القرم إلى الإفتراس وكالشبل الكامن في عربته.»
النص الكنعاني: «قفزوا على أفواههم كأسد مفترس مزمجر.»
أشعيا: (5/29) «لهم زمجرة كاللبوة ويزمجرون كالشبل ويهرون ويمسكون الفريسة ويستخلصونها ولا منقذ.»
الفصل الثاني:
وهو عبارة عن لوحة مجزأة مكتوبة على وجه واحد وتتضمن ثلاثة أعمدة ونشرها السيد فييلور تحت عنوان (عناة العجلة) في مجلة سورية عام 1936.
المصلي في النص الكنعاني يرفع عينيه إلى السماء وهو واقف ثم يركع وأخيرا يرتمي إلى الأرض.
المزامير: (99/5) « علوا الرب إلهنا وسجدوا عند موطئ قدميه.» ويسمى هذا في النص الكنعاني (الخضوع) وخلاله يطلب المصلي من الإلهة أن تنهض من هو في الرغام.
الفصل الثالث:
نشر تحت عنوان نشيد عليين بعل في مجلة سورية عام 1932.
النص الكنعاني: يلبس ثوب الصداقة كقناع يمكن انتزاعه.
المزامير: «لذلك تقلدوا الكبرياء, لبسوا كثوب ظلمتهم.»
الفصل الرابع
وهو بعنوان موت بعل, نشر في جريدة سورية عام 1943, وفيه:
وردت لفظة (أفود) وهذه اللفظة تكررت في النص التوراتي, وقد تعني اللفظة تماثيل أو أوثان.
قضاة: (8/27) « فصنع منها جدعون أفودا وجعله في مدينته في عقره وزنا كل إسرائيل وراءه هناك مكان لجدعون وبيته فخا.»
الفصل الخامس:
نشر هذه النص عام 1931 في مجلة سورية تحت عنوان: (قتال موت ابن الإلهة معليين ابن الإله بعل)
في هذا الفصل: حجارة الطرقات تعرف الصلاة والبكاء والنواح.
أيوب (31/38) «إن كانت أرضي قد صرخت علي وتباكت أتلامها جميعا..»
تتألف التوراة الكنعانية إذا من خمسة فصول. تبدأ بوصف محنة الكبير وتنتهي بموته وهي نتيجة طبيعية للزهو والاستعلاء والإلحاد, فلو كان ملكا متواضعا مؤمنا لإيل وأشيرا لشهدت عليه الآلهة لكن وبسبب ما فعله يشهد عليه الأموات وحراسهم, هم رفقاؤه وفي البحر ستعقد خطوبته وينجب حارس الأموات ودليل المتوفين ويبقى (نكمد) ملكا لأوغاريت سيد جميع الأرض. ومن الملاحظ أن النصوص الخمسة تغفل اسم الملك الكبير ويذكر أن هناك تقليدا لدى الكنعانيين أيام الحصاد يردد فيه الحصادون تحت وقع مناجلهم التعبير التالي: «ملعون أبيمالك.» وهذا ما يتفق مع نقمة الشعب على الملك الكبير الذي يقدر ميديكو أنه هو نفس أبيمالك الوارد اسمه في التوراة ويستند في ذلك إلى نقاط بين قصة يربعل- أبيمالك مع قصة الملك الكبير. ومثال على ذلك-
- الحروب فوق معبر الأردن
- صنع أفود من ذهب نتيجة سبك الغنائم
- سرية يربعل الأجنبية
- قتل الأخوة, وقد وردت القصة في نصين
أ- أخوة يربعل أبناء أمه قتلوا
ب. أبيمالك يقتل أخوته
- جحود أبيمالك وعبادته بعل
- أبيمالك يشتري خدمه الأشقياء والمعربدين
- (سيشم) تقع في قلب القصة
- (زيبول) مسكن الملك
- عند موت أبيمالك نلاحظ عدم مبالاة الشعب
- قصة الأشجار التي تفتش عن الملك وتتكرر في نصوص أوغاريت.
في ضوء ذلك يمكن إذا أن نقبل بوجود ملامح تاريخية لشخصية جدعون يربعل- أبيمالك مستعارة من الأخبار الكنعانية, وأنه بالاستناد إلى هذه المصادر يمكن إعادة تأليف تاريخ هذه القاضي (الملك الكبير) الذي أهملت اسمه نصوص أوغاريت.
اسم الكتاب: اللآلئ من النصوص الكنعانية , بقلم كبير كهنة أوغاريت إيلي ميلكو
ترجمة ودراسة العالم: هـ. ي. ديل ميديكو
نقلها إلى العربية: مفيد عرنوق
الناشر : دار أمواج للطباعة و للنشر والتوزيع