تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الرواية.. اللغم اللغز

الملحق الثقافي
10/2/2009م
هيثم حسين

لماذا الرواية. اللغم. اللغز..؟! هل الجناس الناقص بين اللغم واللغز، هو ما فرض العنوان، أم أنّ اشتمال الرواية على تأثير كلا الأمرين هو ما دفع إلى تثبيتهما معاً، متآلفين ومتشظّيين معاً..؟!

هل اللغة في الرواية، اللغة الروائيّة، هي الرابط الخفيّ والمرئيّ في آنٍ، بين اللغم واللغز..؟!‏

الرواية: هل هي حقّاً السِّفْر المأمول..؟! هل نعيش عصر الرواية، حيث يتفاءل البعض بانتعاشها، والعودة إليها، من خلال تخصيص جوائز هامّة لها..؟! هل الرواية قادرة على المحافظة على الخطّ الذي يكفل لها الديمومة، بعدما تجاوزت كثيراً من العقابيل التي وُضعت في طريقها، في عالم ينحو نحو الصورة، نحو السرعة في التلقّف والإنتاج..؟! هل هي لغم مُلغز يكاد أن ينفجر فيودي بصاحبه، أم أنّها لغم، تنتصر لنفسها ودعاتها وعشّاقها.؟! هل هي لغز يبقى مُربكاً مُشكلاً لمشفّره نفسه، أم أنّ التفكيك المعمّ قد شملها بدوره وتركها أطلالاً تنتظر من يعيد بناءها بجدّة وجدّيّة..؟!‏

الرواية كونها حمّالة الهموم، ذات مقدرة استيعابيّة هائلة، عندما تستثمَر بوعيٍ، تفلح في جندلة معظم الأساليب ومختلف العلوم، لتقدّمها روائيّاً، لتشكّل فيما بعد رأسَ مالٍ يُعاد إليه، عندما يداهم نوعٌ من الإفلاس والتميّع..‏

اللغم بحسب ابن منظور: «لَغِمَ لَغَماً ولَغْماً: وهو استِخْبارُه عن الشيء لا يستيقنه وإِخبارُه عنه غير مستيقن أَيضاً. ولَغَمْتُ أَلغَمُ لَغْماً إِذا أَخبَرْت صاحبك بشيء لا تستيقنه. ولُغِمَ فلانٌ بالطِّيب، فهو مَلْغوم إِذا جعل الطِّيب على مَلاغِمه». أمّا اللغم بالمعنى الاصطلاحيّ الدارج؛ القنبلة، مع عدم إغفال الاختلاف، والقنبلة، كما هو معلوم، قابلة للانفجار، وتتشظّى إثر انفجارها، لتخلّف ضحايا وأشلاء، وتحفر عميقاً في البقاع التي تفجَّر أو تلقَى فيها.. وفق هذا، وعلى قول بعضهم، إنّ الكتب كالقنابل، وبالتالي أليس هنالك رابط بين اللغم ـ القنبلة، والرواية ـ الإخبار أو الاستخبار عمّا يستيقن أو يُستيقَن..؟! هل تستعير الرواية من اللغم قدرتها الانفجاريّة، القاتلة، المغيّرة في تضاريس المنطقة التي تنفجر فيها، هل تغيّر من القارئ الذي تتفعّل داخله، هل بمقدورها أن تحتلّ دور التغيير، أو تقوم به، بناء على غاية الرامي ـ الكاتب الذي يسعى إلى التأثير في قرّائه، عبر استخدامه أدواته التقنيّة، التي يطوّر بها سلسلة إخباره ـ روايته، وعبر اختراق آليّات الدفاع المفترضة، تلك التي قد تقف حاجزاً يسعى إلى الحؤول دون التغيير المنشود، أو التأثير المرتجَى.. هل يوقّت الروائيّ روايته، كما يوقّت الرامي قنبلته، ألا يسحب مسمار الأمان من روايته عندما يلقي بها بين أيادي قرّائه..؟! بعض الروايات قد تودي بأصحابها، كحال بعض الألغام التي تقتل غير المجيدين لعملية الإلقاء والرمي، فتنفجر بهم، ليكونوا هم أولى ضحاياها.. كما أنّ بعض الروايات قد تكون خلّبيّة، مسيلة للدموع، عامِية، مُهسترة، مضحكة، مدوّخة، مجنّنة، مستحكّة.. إلخ.. هل تكون بعض الروايات هكذا حقّاً..؟! هل نعثر على روايات لا يلغّمها كاتبها بعدّة أفكار تكون موقّتة وفق توقيته المعتمَد، فنقول عنها إنّها روايات ملغومة.. أي مستترة، وكأنّها ترتكب في الخفاء، كبعض ممّن يلغّم كؤوس الشراب ببعض الكحول.. فيقول عنها: ملغومة..‏

هل يحقّ لنا/ لي، أن أستخدم مفردات حربيّة، أثناء الحديث عن الرواية، هل تمتّ الرواية بصلة إلى الحروب والألغام والضحايا..؟! ألا تكون بعض الأفكار أنفذ تأثيراً من الألغام، لا من حيث إحراق الأخضر واليابس، بحسب التعبير الشائع، بل من خلال التشظية التي تخلّفها، وعمق الأثر الذي تتركه..‏

هل يمكنني القول: أنا أروي، إذاً أنا أخبر/ أستخبر، إذاً أنا أُلغم.‏

اللغز: «لغز: أَلْغَزَ الكلامَ وأَلْغَزَ فيه: عَمَّى مُرادَه وأَضْمَرَه على خلاف ما أَظهره. واللُّغْزُ واللُّغَزُ واللَّغَزُ: ما أُلْغِزَ من كلام فَشُبِّه معناه، واللُّغَزَ: الكلام المُلَبَّس. وقد أَلْغَزَ في كلامه يُلْغِزُ إِلغازاً إِذا ورَّى فيه وعَرَّضَ ليَخْفَى، والجمع أَلغاز..». هذا أيضاً، بحسب ابن منظور في لسان العرب. فكيف يتمّ النظر إلى اللغز في عصرنا، هل يبقى ذاك المعمّي الملتبس، المتغلّف بأسرار تحجبه عن الآخرين، المشتبه عليهم، كأنّه جريمة يُسعَى إلى التبرّؤ منها من طرف، وإلى إثبات التهمة أو الإدانة من طرف آخر..‏

تكون بعض الروايات ألغازاً، تشتمل على معانٍ تستبطنها، وتؤوّل، أو تنفتح على التآويل، غنيّة بما تنطوي عليه، وبالتالي هذا يفترض وجود روايات أخرى، تكون ملغزة أو ملغّزة بناء على لعبة من كاتبها، فلا يصل المراد، ولا تبلغ الرسالة المرتجاة، فيضيع العمل في زحام تلبيس الكلام ما ليس يلبَّسه، فتكون النتيجة ابتعاداً عن العمل، ورغبة عنه.. وقد يكون في التلغيز نوع من البراعة والذكاء والدهاء واللؤم، فتنال من القارئ، وتجبره على إعادة القراءة، والتمعّن في المقروء..‏

هل يمكنني القول: أنا أروي، إذاً أنا أورّي/ أواري، إذاً أنا أُلغز.‏

ما الرابط بين الرواية. اللغم. اللغز..؟! هل يبحث هذا الكتاب عن تلك العلاقة الهائمة بين هذا الثلاثيّ، أم أنّه يفترض خيوط اتّصال وانفصال فيما بينها..؟! هذا متروك للقارئ، (وأيّ قارئ..!).. فله الحكم أوّلاً وأخيراً.‏

تعليقات الزوار

جميل داري |  jameel_dary@hotmail.com | 11/02/2009 15:06

لا فض فوك يا هيثم أأنت مشروع ناقد أم روائي أم لغوي أم كل ذلك مجتمعا ؟؟ حقا لقد سررت بكلماتك تنساب في الرأي الذي تبديه باسلوب الاستفهام وكأنك لست على ثقة من نفسك بل تطلب عون القارئ الذي دونه لا قيمة لأي عمل فني ..وهكذا يتسرب ماء الكلام في حقل النقد فكأني بك بستاني حاذق يعرف كيف يكون التشذيب الذي من شأنه ابعاد الأغصان الميتة لتحل محلها أغصان الفن الخضراءبعيدا عن التنظير المجعلك الذي يجعل الصباح خاليا من عصافير الدهشة .. اشد على يدك وأقول :عاش هيثم ..الذي يؤجج نار الكلام ليحرق هشيم الوقت الأجاج..

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية