فغزة اليوم أمام مشهد من مسلسل عمره زاد على الستين عاماً اسمه المأساة الفلسطينية، غزة قبل اغتيال ياسر عرفات كانت واحدة من مساحات المواجهة الفلسطينية في معركة الوجود التي كتبت لها منذ إعلان الدولة العبرية كإحدى نتائج الحرب العالمية الثانية من ناحية توقيت الإعلان مكافأة للشريك البريطاني في الحرب، بما نعلمه من الدور التاريخي لبريطانيا في الوعد اليهودي من خلال رغبة جلالة الملكة لإقامة الدولة، يومها كانت غزة لا تعني أكثر من مساحة بشرية في مشهد حرب الوجود والبقاء للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية.
كيف صارت غزة هي كل فلسطين؟ وأين تقع المساحات الأخرى من بقايا المشروع اليهودي أي ما يدعونه فلسطين الجديدة المختزلة؟ أين الضفة؟
قبل البحث عن إجابة لأي سؤال له بعد دولي يجب البحث في العناوين قبل تفحص التفاصيل والجزئيات التي يعتقد البعض أنها تغني الإجابة، فكيف صارت وأين تقع وغير ذلك يتطلب البحث في السياسة الدولية الراهنة ومؤثراتها في السياسات الاقليمية. يمكن اختصار صورة السياسة الدولية بمسار المشروع الأميركي للسيطرة على العالم وما يتبع ذلك من مسارات فرعية لها بعدها الاستراتيجي الخاص، والملحقات السياسية الاقليمية، وهنا نذكر المشروع الصهيوني لإقامة إسرائيل الكبرى الذي ينمو ويزدهر في ظل الأزمات الدولية ويهدأ وهجه في ظل التوازن في العلاقات الدولية، لذلك هو اليوم أمام فرصته الاستثنائية بإتلافه مع المشروع الأميركي، وهو ما أنتج حروب الخليج الأولى والثانية والتحضير للثالثة بوضع إيران على طاولة العمليات العسكرية المحتملة، بل أنتج أكبر جريمة إنسانية بإزالة أكبر دول المنطقة بشرياً واقتصادياً وثقافياً وهي العراق من خارطة السياسة الدولية وربما لأمد طويل وألغى تاريخاً إنسانياً زاخراً يعود لثمانية آلاف عام، وقد يكون احتلال أفغانستان هو التفاصيل أو المدخل إلى المشروع الصهيوني لإضعاف العمق الإسلامي للقضية الفلسطينية، وهو ما قسم العالم إلى خنادق للحرب على الإرهاب، وأخرى داعمة وراعية له أو ساكتة عنه، وتعمق التقسيم أكثر إلى المحيط الجغرافي لفلسطين تحت راية الحرب المقدسة على الإرهاب، وتجلت صورة التقسيم أكثر عندما تطابق مسار المشروع الأميركي مع الصهيوني في حل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية التي ترى مرحلياً في إيجاد دولة مسخ يسمونها فلسطين يتكفل المستقبل بزوالها من الذاكرة، وهذا يتطلب إدارة شكلية لهذه الدولة الافتراضية حيث تكفلت إدارة السلطة بتطبيقاتها على الأرض ورغم أنف إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار مقاومة المشروع المؤامرة بانتخابه منهج حماس المقاوم، وهذا أحبط مسار المشروع بيسر ووضع الفاعلين في السياسة الدولية أمام خيار واحد كان مؤجلاً وهو إزالة العقبة التي اسمها غزة من الطريق، فكان قرار الحرب الراهنة على مضض بسبب الكلفة الباهظة التي ستدفعها إسرائيل في سبيل ذلك بعد أن فشلت محاولة تجويع شعب غزة لدفعه للاستسلام، ولأن المطلوب تقليل الخسائر للوصول إلى ذلك اقتضى الأمر توفير غطاء عربي لتطويق رد الفعل الدولي فكان الغطاء موفوراً دوماً كما العباءة التي تليق بكل المناسبات.
كانت بداية الإعلان عن العدوان عندما قرعت تسيبي ليفني طبول الحرب من قصر القبة حيث بشرت العالم أن ساعة الحساب مع حماس أصبحت وشيكة، ولايمكن فهم ذلك الإعلان من ذلك المكان إلا تعبيراً عن الاستجابة لرغبة المضيف وسعيه لساعة الحساب هذه، وقد جاء تأكيد وزير الحرب الإسرائيلي لصحة هذه القراءة وعلى وقع النار الإسرائيلية ليفقأ في عيون المدافعين عن عروبة مواقفهم وحقيقة خدمتها لمستقبل فلسطين ومستقبل وحدة الصف الفلسطيني حقيقتهم بأنهم الأكثر استعجالاً لإنهاء حماس مهما بلغت التكلفة وهو الوزير المجتهد في مهمته للنصر الإسرائيلي الكبير، وهو الوزير الذي لا يجرؤون على تكذيبه لسوابقهم المعلنة أيام العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006أعود إلى البداية والمنطلق هو المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي استعجلوا الركوب في مقطورته الأولى، اغلقوا الأبواب خلفهم وصار عصياً عليهم مغادرته وهو يغادر الشرق الأوسط من بوابة غزة الصامدة لأنها حلقته الأخيرة بعد أفغانستان التي يحاولون الهرب منها عبر وساطة مع حركة طالبان وكان انسحابهم الأكثر إذلالاً من لبنان، معتقدين أن غزة تكفيهم مستقوين بضيق الجغرافيا دون أن يقرؤوا بعناية عمق إيمان الغزاويين أن خيارهم الوحيد المتاح هو الصمود بعد أن أغلقت كل الحدود من حولهم حتى للهرب، فيما إذا أراد أن يفكر به أحد كمخرج للنجاة. لقد أعلن بوش ساعة حساب لمن لا ينتظم في صف حربه على الإرهاب, فقوي الإرهاب وطال الحساب بوش ونهجه الهمجي، وأعلنت ليفني من قصر القبة حساب لحماس فقد تكسب بعض الأصوات الإضافية في الانتخابات المقبلة, لكن من سيدفع الثمن أمام الشعب العربي ؟هو من يصفق لليفني وهي تتوعد «حماس»!!