ومن المؤسف والمؤلم للنفس حقاً أن العالم لا يزال يجهل الكثير عن ممارسات الدولة اليهودية بشتى ضروب الاضطهاد، ومختلف أشكال التمييز بحق الفلسطينيين العرب الذين مازالوا يعيشون تحت نير الاحتلال الصهيوني في أرض فلسطين.
يقول المؤلف: كتب حاييم وايزمن قبل يوم واحد من صدور توصية الأمم المتحدة بإنشاء دولة (إسرائيل) في أرض فلسطين يقول: «إنني متأكد من أن العالم سيصدر حكمه على الدولة اليهودية المرتقبة من خلال ما نفعله مع العرب كما أن الدين اليهودي في نظر المفكرين اليهود والصهاينة هو الأساس الذي تقوم عليه الايديولوجية أو القومية اليهودية» كما يقول البروفسور إسرائيل شاحاك، وهو وحده القاسم المشترك بين اليهود الذي يضمن نقاءهم العنصري وولاءهم القومي، وهو ما يعبر عنه البروفسور يعقوب تالمون استاذ التاريخ في الجامعة العبرية بقوله «إن الكنيس اليهودي هو وحده محور الهوية الذاتية اليهودية في دول الغرب» كما ويبالغ الايديولوجيون الصهيونيون في تقويم دور الدين بحيث يبدو وكأنه قادر على التعويض عن غياب جميع العوامل الأخرى لحفظ الوحدة القومية اليهودية من البديهي أن الصهيونية كفكرة هي الصيغة السياسية والقومية للديانة اليهودية فلا صهيونية من دون يهودية، وليس العكس.
والصهيونية كحركة سياسية هي ذات وجود مادي وفعالية سياسية، ولها أهداف قريبة، وبعيدة، واستراتيجية لتحقيق هذه الأهداف، ولعل أهم أهدافها هو تجميع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي بواسطة الهجرة، وتقوية دولة (إسرائيل) القائمة على رؤيا أنبياء التوراة.. والحفاظ على هوية الشعب اليهودي.
وبعبارة أخرى: إن الصهيونية هي الوجه القومي في اليهودية كما أن اليهودية هي الوجه الديني في الصهيونية.
و(إسرائيل) تحقيق سياسي للاثنين معاً.. كما أطلق ماكس نوردو الساعد الأيمن لهرتزل عبارته الشهيرة «اليهودية.. إما إن تكون صهيونية.. أو لا تكون».
إن إيمان الصهيونية بالعنصرية بجذورها التي تضرب عميقاً في تربة التراث الديني والتاريخي اليهودي تغذيه نزعة التفوق والشعور بالتميز عن الآخرين والميل إلى تحديد الذات بكلمات التفرد والاختيار.
لقد كان من الطبيعي أن تتلاشى تلك العصبية وتمحى باختلاط بني إسرائيل بشعوب متحضرة وعيشهم في مجتمعات حضرية مثل سورية ومصر، ولكن اليهود ظلوا متحجرين في معتقداتهم البدائية منكمشين على ذاتهم متشبثين بالعصبية القبلية، يرفضون الاندماج بالشعوب الأخرى التي استقبلتهم واكرمتهم، وظلوا محتفظين بكيان انعزالي خاص من ناحية العقيدة والجنس حتى أمسوا جسماً غريباً في المجتمع السوري القديم الذي كان حضارياً إنسانياً منفتحاً.
كان لابد من هذه البداية، أما في العصر الحديث فقد انطلق التجمع اليهودي الأول في فلسطين من ايديولوجية الريادة «أي ضرورة الاعتماد على الذات في الاكتفاء والدفاع» ومن سياسات استيطانية «أي السيطرة على الأرض، والعمل، والحراسة، والإنتاج» وبالفعل تمكن الصهاينة بفعل ايمانهم بدين العنصرية من خلق الكتاب اليهودي والمخبر اليهودي، والبحث اليهودي، والحقل اليهودي، والطريق اليهودي، والمصنع اليهودي، وبالطبع الجيش اليهودي كما يقول بن غوريون.
وبعد أن نجحت الحركة الصهيونية في تحقيق هدفها الأول إقامة الدولة اليهودية راحت تعمل للهدف الثاني: تجميع يهود العالم في «دولة إسرائيل» فأصدرت السلطات الإسرائيلية عدداً من التشريعات والقوانين في محاولة لتحقيق هذا الهدف منها:
«قانون العودة لعام 1950 -قانون الجنسية 1952 والقانون الجديد عام 1971».
والواقع أن العلاقة بين (إسرائيل) وبين يهود العالم والمتجسدة في قانوني العودة والجنسية تؤكد صفة العرق الواحد لدولة (إسرائيل) كما يقول الكاتب اليهودي ناتان ونيستوك.. وهكذا تحول التمييز العنصري في (إسرائيل) إلى نظام ذي صبغة قانونية.
وبالإضافة إلى ظواهر التعصب والتي يمكن ردها إلى التفاعلات الاجتماعية المعقودة بين جماعات اجتماعية متعددة المذاهب والأصول والثقافات، هناك أيضاً نظم وقوانين تدعم هذا التعصب.. وهذا التمييز داخل (إسرائيل).. وهي ترجمة أمينة للصهيونية باعتبارها ايديولوجية عنصرية.. فعندما تكون أهداف الصهيونية طرد أكثرية السكان الأصليين «الفلسطينيين» من وطنهم أو إخضاع البقية الباقية منهم فلابد من وضع القوانين اللازمة لتنفيذ مثل هذه الأهداف «الطرد، الإبعاد، النفي، الاعتقال، القتل والتدمير، الاستيلاء على الأرض، تحديد إقامة...الخ» وذلك لخلق حقائق ثابتة وفرض الأمر الواقع عن طريق اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم لتصبح (إسرائيل) دولة يهودية.
يتألف الكتاب من 350 صفحة توزعت على العديد من المواضيع التي تبحث في المقومات العنصرية في التجمع اليهودي في أرض فلسطين وأسسها القانونية وتشريعاتها لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرض فلسطين.. ويقدم جوانب من التمييز العنصري في «الدولة اليهودية» لتحويل مجتمع هذه الدولة إلى مجتمع يهودي حصري، كتاب جيد يستحق أن يأخذ مكانه في المكتبات العربية.