تتابع بلهجتها الحلبية وهي تنظر إلى طفلتها بسعادة وتكاد تضمها لكنها تبعد يديها عن صدرها الملفوف بالشاش: سوف نعيش بسلام ولن نختبأ من أصوات القذائف والصواريخ ..تتجه صوبي وتقول بسعادة غامرة: ابنتي وحلب شفيتا في الموعد نفسه، سنعود إلى «الجميلية» دون خوف.
سوف نعود بعد أن نقضي في دمشق أسبوعا حتى نتنفس دمشق قبلا ثم نعود وابنتي إلى أمنا حلب، وتتمتم بينها وبين نفسها وتكاد الدموع تطفر من عينيها «قديشك حلوة ياحلب».
حلب أمتعت جيرانها
يقال إن حلب هي أقدم حاضرة مسكونة في التاريخ القديم، فقد نقل عن اليونسكو أن عمر المدينة يرجع إلى 12200 سنة، وهي كدمشق وأنطاكيا. وعاشت المدينة عصرها الذهبي أيام المملكة الحمدانية، التي كانت عاصمة المملكة، في عام 944 م، وخصوصا أيام الأمير سيف الدولة، والتي كانت ثغرا مهما للدفاع عن العالم الإسلامي في وجه المد البيزنطي، وقد كانت حاضرة في شعر أكبر شعراء الحمدانيين وحلب والأدب العربي والإسلامي، وكان المتنبي من شعرائها المعروفين والذي اشتهر في بيته الشهير: كلما رحبت بنا الروض قلنا، حلب قصدنا وأنت السبيل. وفي وصف كما أنشد في قصيدة أخرى يقول:
حببتك يا شهباء فانفرط الهوى ... كما انفرط القلب الذي كان حانيا
فمزقتُ أسمائي كمن ضاع سره ... وواجه عُري الريح في البرد عاريا
أمرُّ كأنِّي في الدروب مشردٌ ... أودعُ في الحارات مَنْ كان وافيا
أودع أحلامي ومِنْ غير رجعةٍ ... وأترك دمعي يستحلُّ المآقيا
فكل الذي حولي بقايا أحبةٍ ... فلا كنتُ - إن ضاع الأحبة - باقيا
حببتك يا شهباءُ والحبُ سنتي ... وما كنت أدري قد سننتُ فنائيا
ووصف الشاعر العربي «كشاجم» حلب، في «معجم بلدان» ياقوت الحموي، الذي اعتبر أن «الله خصها بالبركة، وفضلها على جميع البلاد»، لـ»المدينة العظيمة الواسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء وصحيحة الأديم والماء». وقال في ذلك:
أرتك ندى الغيث آثارها.. وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة.. كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد يجمع ما تشتهي.. فزرها، فطوبى لمن زارها